Coptos y Musulmanes: desde la conquista árabe hasta 1922
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
Géneros
4
زد على ذلك أن عدم استعدادهم الدبلوماسي كان أشد خطورة عليهم من عدم استعدادهم العسكري، فقد هب الصليبيون لإنقاذ «الكسيس» إمبراطور بيزنطيا من الخطر العثماني، ولكن فاتهم أن يأخذوا منه الضمانات الكافية، فلما وصلوا إلى ضفاف البسفور، فاجأهم الإمبراطور بسياسته المائعة، حتى نفد صبرهم منه، ولم يتخذوا الحيطة بعقد معاهدة مع الإمبراطورية البيزنطية لتنظيم مرورهم بأراضيها إلا قبيل الحملة الثالثة.
ثم كان الصليبيون يجهلون كل شيء عن البيزنطيين الذين اشتهروا بسعة الحيلة بقدر ما مهروا في فن الدبلوماسية، وكانوا يعتبرون شعوب أوروبا شعوبا بربرية، ويعتزمون التخلص من الصليبيين بعد أن يأمنوا خطر المسلمين ويجنوا ثمرة انتصاراتهم، ولما رأوا أن قوات الغرب لا تكفي لدرء الأخطار عن إمبراطوريتهم، أسرعوا إلى ترضية الفريقين المتحاربين، فعقد «إسحاق الملاك» معاهدتين في وقت واحد: الأولى مع فريدريك الثاني، والثانية مع صلاح الدين الأيوبي.
وكيف يطلب إلى رجال عسكريين، جل همهم التباري في ساحات القتال، كيف يطلب إليهم أن يحلوا رموز السياسة المعقدة أو أن يستغلوا العروض التي تقدم إليهم من شعوب أخرى، كالتتر مثلا، لعقد محالفات؟
أكان في استطاعتهم أن يدركوا أن الشرق الإسلامي لم يكن متحدا حينما فيه؟ وكيف يدركون، مع جهلهم التام بالديانة الإسلامية، أن خلافتين، ما زالتا قويتين، تتنازعان السيطرة على العالم الإسلامي: الأولى في مصر، وهي الخلافة الفاطمية الشيعية، والأخرى في بغداد وهي الخلافة العباسية السنية؟
ومع ذلك، فإن الصليبيين كان في مقدورهم الانتصار بلا شك ولا عناء ، لو كان أمامهم العرب دون سواهم، ولكن الأتراك القادمين من آسيا تدخلوا في الأمر لرفع مستوى قوة الخلفاء المتخاذلة، فرجحوا بذلك كفة الإسلام هذا بالرغم من أن انضواءهم تحت لواء العباسيين جلب عليهم عداوة الصليبيين والفاطميين وبعض الإمارات السورية التي استغلت الفوضى السائدة لإعلان استقلالها.
حقق الفاطميون ما لم يخطر ببال الصليبيين، فأرسلوا إليهم وفدا لعقد تحالف بينهم، ولما وصل الوفد الفاطمي عند الصليبيين كانوا وقتئذ يحاصرون أنطاكية، وترك لنا «روبير لوموان»
5
قصة رائعة عن هذه المقابلة، ويقول: «حاول الجنود المسيحيون أن يخفوا عن المسلمين ما تحملوه من بؤس وشقاء، فتزيوا بأزيائهم النفيسة وحملوا أجمل أسلحتهم ... واستقبل رؤساء الجيش الوفد المصري تحت خيمة بديعة، وقال الوفد صراحة في خطابه: إن الخليفة لم يفكر أبدا في إبرام محالفة مع المسيحيين، إلا أن انتصارات الصليبيين على الأتراك، وهم أعداء سلالة علي بن أبي طالب اللدا، جعل الخليفة يعتقد أن الله تعالى قد أرسلهم إلى آسيا قصاصا وعدلا.
وكان الخليفة المصري على استعداد ليتقرب من المسيحيين المنتصرين، ويدخل فلسطين وسوريا بجيوشه، ولما علم أن كل ما يرجوه الصليبيون هو الاستيلاء على القدس، وعد بأن يعيد الكنائس إلى سابق مجدها وإقامة الشعائر فيها، وفتح أبواب المدينة المقدسة لجميع الحجاج على أن يأتوا مجردين من الأسلحة وألا يقطنوا فيها أكثر من شهر.
Página desconocida