ونحْوُ هذا ما حدَّثَنا به الأَزْديُّ، عن عمّه، عن أَبيه، عن ابن الكلبيّ عن أَبيه قال: اجتمَعَ خمسُ جوَارٍ من العرب فقلْن هَلْمُمْنَ نَنْعَت خَيْلَ آبائنا. فقالت الأُولى: فَرسُ أَبي وَرْدة، وما وَرْدة، ذاتُ كَفَلٍ مُزَحْلَق. ومَتْنٍ أَخُلَق، وجَوفٍ أَخْوَق، ونَفْسٍ مَرُوح، وعَينٍ طَموح، ورِجْلٍ ضَروحً، ويَدٍ سَبوُحٍ بُداهَتُها إِهْدابٌ، وعقْبها غِلابٌ. قالت الثانية: فرس أَبي اللَّعَّاب، وما اللَّعّابُ، غَبْيَةُ سحاب، واضطرامُ غاب، مُتَرَّصُ الأَوصال، أَشَمُّ القَذَال، مُلاَحَكُ المَحَال، فارسُه مُجِيد، وصَيْدُهُ عَتيد، إِنْ أَقبلَ فظَبيٌ مَعَّاجٌ، وإِنْ أَدبرَ فظَليمٌ هَدّاج، وإِذا أَحْضَر فعِلْجٌ هَرّاج، قالت الثالثة: فَرسُ أَبي حُذَمة وما حُذَمَةَ، إِنْ أَقبلَت فقَنَاةٌ مُقَوَّمة، وإِنْ أَدبرتْ فأُثفيَّة مُلَمْلَمة، وإِنْ أَعْرَضت فذِئْبَة مُعَجْرَمة، أَرْساغُها مُتَرَّصة، وفُصُوصُها مُمحَّصة، قالت الرابعة: فرسُ أَبي خَيْفقٌ، وما خَيْفَق، ذاتُ ناهِقٍ مُعرَّق، وشِدْقٍ أَشْدَق، وأَدِيم مُملَّق، لَها خَلْقٌ أَشْدَف، ودَسِيعٌ مُنَفْنَف، وتَلِيلٌ مُسَيَّف، وَثَابَةٌ زَلُوج، خَيْفَانَةٌ رَهْوج، تقرِيبُهَا إِهْماج، وحُضْرُها ارْتِعاج. قالت الخامِسةُ: فَرَسُ أَبي هُذْلُول، وما هُذْلُول، طَرِيدُه مَحْبولٌ وطالبه مَشكُول، رَقيقُ المَلاغِم، أَمينُ المَعاقِم، عبْلُ المحْزِم، مِخَدُّ مِرْجَم، مُنِيفُ الحارِك، أَشمُّ السَّنابِك، مَجْدُول الخَصائل، سَبْطُ الفَلائل، غَوْجُ التَّلِيل، صلْصَالُ الصَّهيل، أَديمُهُ صافٍ، وسبِيبُه ضافٍ، وعَفوُه كافٍ.
ولعليّ بن جَبلة:
وأُذْعِرُ الرَّبْربَ عن أَطْفَالِه ... بأَعْوَجيٍّ دُلَفيِّ المُنْتسبْ
تخالُه من مرَحِ العِزِّ به ... مُسْتَعِرًا برَوْعَةٍ أَو مُلْتَهِبْ
مُطَّرِدٌ يَرْتَجُّ مِنْ أَقْطَاره ... كالماءِ جالتْ فيه رِيحٌ فاضطرَبْ
تَحْسبُهُ أَقْعَدَ في اسْتِقْبالِهِ ... حتَّى إِذا استْتَدْبَرْتَه قُلْتَ أَكَبْ
وَهْوَ على إِرْهَافِه وطَيِّه ... يَقْصُر عنْه المَحْزِمَانِ واللَّبَبْ
يَخطو على عَوجٍ يُنَاهِبْنَ الثَّرى ... لم تَتوَاكَلْ عن شَظىً ولا عَصَبْ
تَحْسبُها نَابِيَةَ إِذا خَطَتْ ... كأَنَّهَا وَاطِئةٌ على نَكَبْ
مُحتدِمُ الجَرْيِ يُبَارِي ظِلَّه ... ويَعْرَقُ الأَحْقبُ في شَوْطِ الخَبَبْ
لا يَبْلُغ الجهْدَ به رَاكبُه ... ويَبْلُغ الرُّمْحُ به حيْثُ طلَبْ
قوله مُطَّرِدٌ يَرْتَجًّ من أَقطاره البيت مُسْتعارُ المعنَى من كلام امرأَةٍ من العرب ابتاعَ ابنُهَا أُمِّهِ، فلمّا رأَتهُ نَهْتْهُ عن ابْتِياعهِ، فقال صاحبُه: لِم كَرِهْتِ فَرِسي، فواللهِ إِنّه لصحيح العَصَب، تامُّ القَصَب. فقالت: واللهِ ما اهْتَزَّ حين أَقْبَل، ولا تَتابَعَ حينَ أَدْبرَ، قال: صَدَقْتِ، واللهِ، كان في فَرَسي كَزَازَةً.
وقال المُحْدَثون في وَزْنِ قَصِيدةِ عليِّ بن جبَلة، منهم أَحمدُ بن محمد الحضرميُّ:
أَغرُّ يَعْبُوبٌ إِلى غُرَّته ... حُجُولُهُ تَضْحكُ مِن تَحْتِ الرُّكَبْ
ُبعُنُقٍ أَتْلَعَ كالجِذْعِ سَمَا ... في جُؤْجُؤٍ حَشْرٍ إِلى صَدْرٍ رَحُبْ
وكَتِفَيْنِ طَالَتَا مَعْ صَهْوةٍ ... إِلى هَوَاءٍ مِثْلِ زُحْلُوقِ اللَّعِبْ
إلى قَطَاةٍ أَشْرَفَتْ وكَفَلٍ ... تَمَّ فتَمَّتْ فَخِذَاهُ والقَصَبْ
كأَنَّ أُذْنَيْه إِذَا مَا اسْتَكَّتَا ... أَطْرَافُ أَقْلاَمٍ أُجِيلَتْ في كُتُبْ
فَراحَ بي وهْو يُبَارِي ظِلَّه ... أَرْعَل لو وَثَّبْتَهُ البَحْرَ وَثَبْ
ولمحمد بن سعيد في هذا الوزن:
وهَيْكلٍ أَخْلَقَ مَجْدولِ القَرَا ... مُندمِجِ المَتْنِ طِرِمَّاحِ القَصَبْ
تُرِيعُه في كُلِّ فَوْتٍ أَرْبَعٌ ... تُثِيرُ مَكْنونَ الثَّرى وتَنْتَهِبْ
1 / 56