أَتُرَى تميمٌ لا أَبَا لأَبِيكُمُ ... تَخْشَى الّذِي تَخْشَوْنَه من تَغْلِبِ
أَمْ هَلْ سَمِعْتَ بضَيْغمٍ ذِي لِبْدَةٍ ... أَلقَى فَرِيسَتَه مَخَافَةَ ثَعْلَبِ
فلأَخْطَفَنْهَا يا بْنَ ذُهلٍ خَطْفَةً ... خَلْسًا كخَطْفِ الصَّقْرِ شِلْوَ الأَرْنبِ
فلمّا دخَلَ بالأَفْراس على شُرَحْبِيلَ المَلِكِ ونَظَرَ إِليها أَعجبَتْه فقال:
لا أَعْدِمَنَّ فارِسًا مُجَاشِعَا
قدْ نَالَ مِنْ تَغْلِبَ أَمْرَا فَاجِعَا
أَفْرَاسَ صِدْقٍ لم تَكنْ نَزَائعَا
قُبًّا كأَمْثَالِ القَنَا رَوَائعَا
ثمّ أَقبلَ يُزْرِي على بني تغلِبَ ويضَعُ منها وكانَ حَنَشُ بنُ مالك التَّغْلبيّ زَوّارًا للمُلوك، عظيمَ القدْرِ فيهم، وكان عنه يومئذ، وابنُه مَعْبَدُ بن حَنش قائمٌ على رأْسِه، بيَده قَوْسٌ له عرَبيَّة، فرَفَعَ مَعْبَدٌ قَوْسَه فضَرَبَ بها هامَةَ المَلِك فطَيَّرَها عن رأْسِه، وسقَط المَلك مَغْشيًّا عليه، وتَصَايحَ النَّاسُ: قُتِلَ المَلِكُ، فدَخَلَ ابنُه عَمْرٌو، فرأَى ما بأَبِيه، فاستوثَقَ من مَعْبَد، فلمّا أَفاقَ قدَّم مَعْبَدًا فضَرَبَ عُنُقَه، وجعلَ رأْسَهُ بين يدَيْه، فدَخَلَ حَنَشٌ فقال: لا خَيْرَ لك في صُحْبَتي بَعْدَ هذا الرَّأْسِ، فسَرِّحْنِي سَرَاحًا جَميلًا، فوالله لا أَغْسِلُ رأْسِي حتّى أَلقَاكَ في الخَيْلِ التي أَزْرَيتَ عليها، فسَرَّحَه وأَجَّله ثلاثًا، فلحِقَ ببني تَغْلب.
وقال حَنَش بن مالك:
لعَمْرُك ما لي في جِوَارِك حَاجَةٌ ... ولا خَيْرُ عَيْشٍ بعد قَتْلِك مَعْبَدَا
أَمِن ضَرْبةٍ بالقَوْس لم يَدْمَ كَلْمُهَا ... ضَرَبْتَ بمَصْقُولِ الذُّبَابِ مُقَلَّدَا
فتًى مالَ رَيْعانُ الشَّبابِ بحِلْمِه ... ولمْ يُصْدِرِ الأَمْرَ الذِي كانَ أَوْرَدَا
ولو كُنْتُمُ إِذْ زَلَّتِ النَّعْلُ زَلّةً ... ذَخَرْتُمْ بها عنْدِي لقَوْمِكمْ يَدَا
فإِن تُبْقِني الأَيَّامُ أَجْزِك مِثْلَها ... شُرَحْبِيلُ في شِبْلَيْك عَمْرْو وأَسْوَدَا
وإِلاَّ أَنَلْ ثَأْرِي مِن اليَومِ أَجْزِهِ ... بما قَدَّمَتْ كَفَّاهُ في مَعْبَدٍ غَدَا
ولَنْ يَسْبِقوا آلَ الْمُرَارِ بثَأْرِه ... مَدَى الدَّهْرِ ما نَاحَ الحَمَامُ وغَرَّدَا
فإِنْ أَنا لمْ أَغْشَ الكُلاَبَ بفِتْيَةٍ ... على كُلِّ مَحْبُول الرِّحَالِة أَحْرَدَا
وكُلِّ سبُوحٍ في العِنَانِ مُقَلِّص ... كسِرْبِ القَطَا يَحْمِلْن مَجْدًا وسُؤْدَدَا
فَوَارِسُهَا مِنْ تَغْلِبَ ابْنَةِ وائلٍ ... بنو كُلِّ أَبّاءِ الدَّنِيَّةِ أَصْيَدَا
فلا يَدْعُنِي القَوْمُ الحَدِيدُ لمالكٍ ... ولا زِلْتُ وَغْلًا في النَدَامَى مُزَنّدَا
وأَخْبرَ حنشٌ بني تَغلِبَ بالخبَر، ووضَعَ ظُبَةَ سَيْفِه على سُرَّته وحلفَ لَيعمدنّ عليه حتى يخرجَ من ظَهْرِه أَو يُدْرِكُوا له ثأْرَهُ. فسَارَتْ بنو تَغلِبَ مُتَسانِدِين بسادَتهم، والتَّعْبِئَةُ إِلى سلمةَ بنِ خالدٍ، وكانت بنو دَارِم مع أَخوالها بني تَغْلِب، ورئيسُهم سُفيانُ بن مُجَاشِع، فقال سَلَمَةُ بن خالِدٍ لبني تَغْلِب: إِنْ حالوا بَينَكم وبين ماءِ الكُلابِ ظَفِروا بكم، فشقَّقَ مَزَادَ أَصحابِه حتى سفَحَ الماءَ، فسُمِّيَ السَّفّاح، وأَغَذُّوا السَّيْرَ حتّى نَزَلُوا على الكُلاَبِ، ونَزَل شُرَحْبِيلُ ومعَه بنو تميم وبُطون من اليَمن بأَسْفَلِه، وكانَ أَوّلَ مَن ورَدَ ماءَ الكُلاَبِ سَفيانُ بن مُجَاشِعِ بن دَارِمٍ، وابناه مُرّةُ وعامرٌ، وكانَت بنو شَيْبانَ قَتَلَت ابنًا لمرَّة قبْلَ ذلك فقال:
أَنا مُرَّةُ بنُ سُفْيَانْ ... والوِرْدُ وِرْدُ عَجْلانْ
والشيخُ شَيْخٌ ثَكْلانُ
وفي ذلك يقول الفرزدق:
شُيوخٌ منْهُمُ عُدُسُ بنُ زَيْد ... وسُفْيَانُ الذِي وَرَدَ الكُلاَبَا
وأَوُّلُ من وَرَدَ من بني تَغلِبَ رَجلٌ من بني عبْد بن جُشَمَ فارِس الخَرُّوب وورَدَ السَّفاحُ بالنّاس وهو يقول:
1 / 37