فلما سمِع ابنُ عُ، ُقِ الحَيَّة بمقْتَل لَبِيد ساءهُ ذلك، ودَخَلَ عليه أَخو لبيد، فحَيّاه بتَحيَّة المُلك ثم قال:
اجْبُرَنْ ذَا مُصِيبَةٍ بأَخِيهِ ... هَلْ لِمَا كَان من كُلَيْبٍ نَكيرُ
إِنْ تَقْدْ نَحْوَه المُسَوَّمةَ الجُرْ ... دَ لَهَا بالمُدَجَّجِين زَفِيرُ
فَوْقَها الشُّمُّ مِنْ ذَوَائبِ غَسَّا ... نَ ولَخْمٌ وبَارِقٌ وبَكِيرُ
مُحْقِبِي كُلِّ نَثْرةٍ كَبَّهَا السِّيُّ ... يَرُدُّ النِّجَادَ عَنْهَا القَتِيرُ
تُدْرِكِ الثَّارَ أَو يُقَلِّدْكَ ذَا العَا ... رَ كُلَيْبٌ فاخْتَرْ وأَنتَ بَصِيرُ
فقال له الملك: اجْلِي فلن يُطَلّ دَمُ أَخيك ثمّ دعا بالخَمْر والقِيَان، فلمّا أَخَذَ فيه الشَّرَابُ قال:
قدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ تَغْلِبَ وَائِلٍ ... سَتَجُرُّ حَرْبًا قَبْلَ قَتْلِ لَبِيدِ
فَالْيَوْمَ إِذْ قَتَلُوا لَبِيدًا فالشَّجَا ... مِن دُونِ ذلِكَ دُونَ حَبْلِ وَرِيدٍ
ويَدِي لهمْ رَهْنٌ بكُلِّ مُضَمَّرٍ ... مَرِطِ الجِرَاءِ وشَطْبَةٍ قَيْدُودِ
يَخْرُجْنَ مِن خَلَلِ الغُبَارِ عَوابِسًا ... لُحُقَ الأَيَاطِلِ كالرَّشَا المَجْرُودِ
حَتَّى تُصَبِّح تَغْلِب ابْنَةَ وَائِلٍ ... حَرْبًا يُشَبُّ سَعِيرُها بوَقُودِ
ثم إِنّ ابنَ عُنُق الحَيَّة جَمعَ لبني تَغلِبَ جَمعًا عظيمًا، وسارَ إِليهِم، وسارُوا، فالتَقوا بالكُلاَب، فاقتتَلوا قِتَالًا شَديدًا، فكان أَوَّل النّهَارِ لغَسّان، ثم إِنّ كُلَيبًا صمَدَ لِعَمْرِو بنِ نائِل مَلِكِ لَخْم، فطعنَه فقتَلَه، وكانَ على المَيْمَنَة، فانْهَزَمَ القوْمُ، ونادَى ابنُ ذي الحيلانِ: يالَ صَدِف، فأَجابَهُ بَنُو نَوَاس وحَامَوْا على لِوَائِهِم وقاتَلوا، حتى أَسرَعَ القَتْلُ فيهم، ونَزَلتْ غَسّانُ يَمشون في الحَديد، فاقتتَلوا أَشَدّ قِتَال يكون، حتّى جَنَّهم اللَّيْلُ، وقُتِل منهُم خَلْقٌ كثيرٌ، ووَلَّتْ غَسّانُ مُنْهزِمةً، وكفَّ بنو تَغلِبَ عَنِ اتِّبَاعِهِم، فلمّا قَدِمَ ابنُ عُنُق الحَيَّة على قَومه عَذَلوه، فقال: لا تَلُومُوني، فلَكم دِيَةُ القَتِيلِ، وفَكُّ الأَسِير، واللهِ لقد جئتُكُم من عنْد قَومٍ رأَيتُ المَنَاياَ تَلَظَّى في أَطْرافِ أَسِنّتِهِم.
وقال عَمرو بن مُعاوِيةَ التَّغلبيّ:
أَتَانَا ابنُ عُنْق الحَيَّة المَلْكُ قادِمًا ... على أَمْرِه في تَغْلِبَ ابنَةِ وَائِلِ
بجَيْشٍ نَضِلُّ البُلْقُ في حَجَرَاتِه ... تَخَالُ دَوِيّ الرَّعْدِ صَوْتَ الصَّواهِلِ
فلَمّا الْتَقَيْنَا بالكُلاَب كأَنَّنَا ... أُسُودُ الشَّرَى لاَقَيْنَ أُسْدَ الغَيَاطِلِ
رَميْنَاهُمُ بالفَيْلَقِ الضَّخْمِ وانْتَمتْ ... فَوَارِسُ مِنَّا بالقَنَا والمَنَاصِلِ
وقُلْنَا ونَحْنُ القوْمُ نَمْنَعُ سِرْبَنَا ... عَلى ذَاك كُنَّا في الخُطُوبِ الأَوائلِ
بَنِي تَغْلبٍ إِنّ الفِرَارَ خَزَايَةٌ ... ولَيْس امْرؤٌ هَابَ الحِمَامَ بآئلِ
فحَامُوا عَلى أَحسابِكم بِسُيُوفِكمْ ... فلَلمَوْتُ خَيرٌ من سِبَاءِ العقائلِ
فشَدّ كُلَيبٌ شَدَّةً ورِمَاحُهمْ ... شَوَارِعُ فينَا بيْنَ صَادٍ ونَاهِلٍ
فأَفْرَجَتِ الخَيْلاَنِ عَنْه ورُمْحُه ... خَضِيبٌ مِن اللّخْمِيّ عَمْرِو بنِ نائِلِ
ودَارَتْ رَحَانَا واسْتَدَارَتْ رَحَاهُمُ ... وكُلٌّ بَصِيرٌ في الوَغَى بالمَقاتِلِ
فمَا زَالَ ذَاكَ الدَّأْبُ حَتَّى تَوَاكَلَتْ ... فَوَارِسُ مِنْ غَسَّانَ غَيرُ تَنَابِلِ
وطَارَتْ بعُنْقِ الحَيَّةِ المَلْكِ سَهْوَة ... تَدِفُّ دَفِيفَ الأَخْدَرِيّ المُوَائلِ
ووَلَّوْا شَعَاعًا والقَنَا مُتْلَئِبّةٌ ... تُكَسَّر في أَكْتَافِهِمْ والكَوَاهِلِ
وقال أخو عَمْرِو بن نائل اللَّخميّ من أَبْيَاتٍ:
1 / 35