Luces de primavera en variedades de lo bello
أنوار الربيع في أنواع البديع
قامت تظللني من الشمس ... نفس أعز علي من نفسي
قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمسِ
والنهي عنه في قول ابن طباطبا:
لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زره أزراره على القمر
وقول الآخر:
ترى الثياب من الكتان يلمحها ... نور من البدر أحيانًا فيبليها
فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... والبدر في كل وقت طالع فيها
ونحو ذلك قول الشريف الرضي:
كيف لا تبلى غلالته ... وهو بدر وهي كتانُ
وكلما بعدت الاستعارة في التفريع تجريدًا كان أو ترشيحًا زاد حسنهما ألا ترى إلى الأبيوردي حيث قال:
وفي الحدوج الغوادي كل غانية ... يروى مؤزرها والخصر ظمآن
كيف نبذ استعارة الغصون للقدود وراءه ظهريًا، وبنى على الفرع وهو (يروى) و(ظمآن) .
وكذا قول أبي العلاء المعري في السيف:
ما كنت أحسب جفنًا قبل مسكنه ... في الجفن بطوى على نار ولا نهر
ولا ظننت صغار النمل يمكنها ... مشي على اللج أو سعي على السعر
فلولا أن طرائق السيف هي الماء والنار بعينهما إدعاء، لما كان لنفي الحسبان فائدة، إذا لا استبعاد في اجتماع شيئين يشبهان الماء والنار. ولولا أن فرنده هو النمل بعينه، لما صح المشي والسعي على اللج والسعر وحسب التعجب منها.
وقال العزي:
فبت الثم عينيها ومن عجب ... أني أقبل أسيافًا سفكن دمي
وقال أبو الطيب:
كبرت حول ديارهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق
واعلم أن لحسن الاستعارة شروطًا، أن لم تصادفها عريت من الحسن وربما اكتسيت قبحًا، فحسن كل من الاستعارة التحقيقية والتمثيلية، برعاية جهات حسن التشبيه. كأن يكون وجه الشبه شاملًا للطرفين، وافيًا بما علق به من الغرض ونحو ذلك مما يذكر في باب التشبيه، وبأن لا تشم رائحة التشبيه من جهة اللفظ، لأنه يبطل الغرض من الاستعارة. أعني إدعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، والحاقة به، لما في التشبيه من الدلالة على كون المشبه به أقوى من الشبه كما قيل:
ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسك ... فقاعدة التشبيه نقصان ما يحكي
وقلت أنا من قصيدة:
من أين للظبي أن يحكي ترائبها ... ولو تشبه ما حاكٍ كمحكي
ولذلك يوصي أن يكون ما به المشابهة بين الطرفين جليًا بنفسه، أو بسبب عرف أو اصطلاح خاص لئلا يصير كل منها ألغازًا، كما لو قيل في التحقيقية: رأيت أسدًا وأريد إنسان أبخر، وفي التمثيلية: رأيت إبلًا مائه لا تجد في راحلة. يريد أن المرضي المنتجب في عزة وجوده كالنجية التي لا توجد في كثير من الإبل. وهذا يظهر أن كلًا من التحقيقية والتمثيلية لا يجيئان في كل ما يجيء به التشبيه.
ومما يتصل بهذا أنه إذا قوي الشبه بين الطرفين بحيث صار الفرع كأنه الأصل، لم يحسن التشبيه وتعينت الاستعارة في ذلك، كالنور إذا شبه العلم به، والظلمة شبهت الشبهة بها، فإذا فهمت مسألة تقول: حصل في قلبي نور ولا تقول كأن نورًا حصل في قلبي. وكذا إذا وقعت في شبهة تقول: وقعت في ظلمة، ولا تقول: كأني وقعت في ظلمة.
والاستعارة المكنى عنها كالتحقيقية، في أن حسنها برعاية حسن التشبيه لأنها تشبيه مضمر في النفس.
وأما التخيلية فحسنها بحسب حسن المكنى عنها، لأنها لا تكون إلا تابعة لها عند الخطيب كما تقدم.
واستهجن من الاستعارات قول أبي تمام:
لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي
إذ ليس بظهر للملام شبه بشيء له مائع مستكره كالحنظل أو الحوض الأجن ماؤه حتى يشبه به ويضاف إليه الماء ويرشح بالسقي.
قيل: كأنه توهم للملام - بلا ملاحظة - تشبيه بذي مائع مستكره شيئًا رقيقًا به قوام سريانه في النفس وتأثيره فيها، وأطلق عليه اسم الماء ورشح هذا الإطلاق بذكر السقي، ومع هذا لا يخفى كونه سمجًا مستهجنًا.
ويحكى أن بعض الظرفاء المعاصرين لأبي تمام لما سمع قوله هذا، جهز له كوزًا وقال: ابعث لي في هذا قليلًا من ماء الملام، فقال أبو تمام أبعث لي ريشة من جناح الذل حتى أبعث لك قليلًا من ماء الملام.
فإن صح ذلك فقد أخطأ أبو تمام، لأن استعارة الجناح للذل في غاية الحسن كما تقدم بيانه، وأين هي من ماء الملام.
ومثل هذه الاستعارة قول المتنبي:
1 / 49