ما خطر في بالي يوم ألقيت خطبتي في الجامعة الوطنية بعاليه، تلك الخطبة التي حملت فيها على الأدب الباكي أن سيوقفني بعدئذ في الطريق العامة - طريق الصحف - رهط بل عصابة من الأدباء ولسان حالهم يقول: رأسك، أو كلمة أخرى منك في الموضوع.
ومنهم من لم يكتفوا بالتهديد، فضربوا - ضربات صاردة، وأخرى صائبة - وهم ينذرون بالمزيد.
قالوا: أني أبيت على الناس أن يتألموا، وأني أنكرت وجود الألم في العالم، وأني كفرت بالدموع وجدفت على المقدس منها، أي: دموع الشعراء.
وقالوا: إن عنترة والمتنبي وغيرهما من أبطال المشرفية والقوافي بكوا في شعرهم، ولم أتعرض لدموعهم، وأني ألبست شاعر «الشباب المفقود» إكليلا من الشوك بدل إكليل من الغار.
ومنهم من قال: أني أكبرت الشعر وغاليت في تقديره، فلا الباكي منه ولا الحماسي يؤثر كثيرا في نهضات الشعوب.
ومنهم من أباح انتقاد الشعر وصناعته وحرم علينا انتقاد روح الشاعر، وإن كانت من الأرواح المزنقة.
وجاؤوا فوق ذلك بزين الكلام، فقالوا: أني مشعوذ ومراوغ، و... غفر الله ذنوبنا جميعا.
فما أجمل ما قاله الشاعر الحلبي ميخائيل صقال:
نهوى السلام نصافي الناس نكرمهم
ولا نعادي ولا نهجو المعادينا
Página desconocida