إن حاملي هذه القلوب لأعجز في المحن والنكبات من فراخ القطا، ولأجبن من صغار الأرانب، وما أسرعنا وهذه قلوبنا إلى الشكوى والأنين، إلى التلهف والتأوه والنواح، ما أسرعنا وما أشد صراخنا في ميدان الندب والنحيب، كأننا في مندب دائم، وكأن الندب مشتق من الانتداب.
من خطبة المؤلف
في مدرسة البنات الأهلية ببيروت
داء البكاء
... إننا والحق يقال أكثر بكاء وأشد انتحابا، من جميع الشعوب، كأننا جبلنا من الدموع والأسى، كأننا كونا من أنفاس النوادب، وجهشات الثكالى ... إنه لمرض يفوق انتشارا كل أمراضنا، وهو أشدها خطرا على سلامة الأمة وعافيتها، بل هو الوباء الأخبث؛ لأنه يفعل بالعقول والقلوب ما لا تفعله أحكام الظلم وشرائع الاستبداد، فتراه يفتك بالسياسيين ورؤساء الدين كما يفتك بالأدباء والتجار والفلاحين، هو وباء الدموع، وباء النحيب والنواح، فإذا بكى شاعرنا في قوافيه بكينا معه، وإذا أن أديبنا في نثره كنا كلنا صدى لأنينه، وإذا تروع فيلسوفنا من هول الزمان المادي وانكسر في جهاده روح الزمان، كنا كلنا متروعين مكسورين ...
وإنك لترى الشبان أغزر دموعا من الرجال، والرجال أشد التياعا من النساء، والنساء أسبق إلى التلهف والتأوه من الشعراء المتيمين. آه، أواه، وا لهفتاه! •••
وما السبب يا ترى في هذا التلاشي المعنوي الروحي؟ ما الذي يحل بقلوبنا؟ ما هي ضربتها؟ قلب شاعر مكسور؟ إن قلوب الشعراء من زجاج وأكثرهم يتمونون منها ما يكفي الحياة الشعرية في كل أدوارها. فإذا انكسر قلب من هذه القلوب، فصرخ صاحبه وصاح، وأن وناح، وأرسل نواحه وأنينه في قوافيه، أيجب علينا أن نصيح وننوح مثله؟ •••
كفكفوا دموعكم. ارفعوا قلوبكم من مستنقعات التخنث، وأعتقوها من العواطف الصبيانية - السرابية. ولا تستسلموا إلى كل ناحب نواح مهما طاب نواحه ونحيبه.
من خطبة للمؤلف
في الجامعة الوطنية بعاليه
Página desconocida