حسرتي بعدها
حسرة متلفه!
وقد سبقنا شعراء الغرب إلى إبراز قوة انفعالاتهم في بعض قصائدهم الخالدة، ومن هؤلاء الشعراء من دق شعورهم وصفا حتى لتكاد تسمع نبض أعصابهم، ومن هؤلاء نذكر دي موسيه الحساس، وبودلير الهوائي، وشيلي العصبي، وكيتس النابض، وويليام بليك المنفعل، ولعل أغنية الأخير «الوردة المريضة» هي من الشعر العبقري، وقد وصف حالتها في انفعال أليم فذكر أن دودة مجهولة طارت إليها في الليل على أجنحة الزوبعة الزائرة ودخلت في مخدعها الفارح وبيد خفية قتلتها! وقد استهلها بقوله:
O Rose! Thou art Sick!
وليس من شك في أن أبا شادي تغلب عليه نزعة التفكير والتأمل في شعره ، وهذه أظهر ما تكون في دواوينه الجديدة لا في ديوانه البكر. وأخص بالذكر من هذه الدواوين «أطياف الربيع» و«الينبوع» و«أشعة وظلال». وتبدو فيه هذه النزعة التفكيرية من صباه الباكر إلى يومه الحاضر، ومن دلائل تفكيره العميق وتأثره الفني قصيدته «أنفاس الخزامى» وقصيدته «الخالق الفنان». أما قصيدته «أنفاس الخزامى» فهي قصيدة فريدة في طرازها ولم يسبق شاعر من قبل - على ما أظن - إلى التفكير في هذه الزهرة والانتباه إلى وجودها بهذه المعاني، ولعل الذي نبهه إليها اشتغاله بالنحل من عهد الفتوة، وهو بهذا التفكير يحاكي شيلي الذي تنبه إلى صوت «القبرة» وبيرنز الذي تنبه إلى جمال زهرات اللؤلؤ في حقول اسكتلندة، ويحاكي كيتس وكولريدج في مناجاتهما «البلبل» وفيكتور هيجو في وصفه لزهرة المرغريت الوديعة. يقول أبو شادي في مطلع هذه القصيدة الفذة:
أي عطر فاق أنفاس الخزامى
في حنان يملأ الروح سلاما
لا يراها غير من كانت له
روحها أو من يحاكيها غراما!
تجذب النحل إلى أكوابها
Página desconocida