ولم تمض ساعة حتى شهدت بعيني أنها في الحق صناعة ملعونة كما قال، أو كانت على الأقل ملعونة إلى ذلك الحين!
على مقربة من المكتبة مطبعة صغيرة تطبع فيها صحيفة أو اثنتان من الصحف الأسبوعية، ويقف فيها «مدير الصحيفة» ينتظر الوكيل الذي أرسله إلى المشتركين للتحصيل وسداد حق المطبعة من محصول الاشتراكات.
وحضر الوكيل.
مخلوق أشعث أغبر ليس على بدنه كسوة من قطعة واحدة، ولحيته مرسلة بغير قصد منه؛ لأنها معلقة على قرش واحد يؤديه للحلاق، ولا سبيل إليه ... وبادره المدير قائلا: ماذا صنعت؟ ...
فأخرج له إيصالا معادا من أحد المشتركين، وقال له: إن صاحب هذا الإيصال قد أنبأني أنه سدد الاشتراك لك قبل الآن، وعنده إيصال بالسداد.
قال المدير: وأين الإيصال الآخر؟ ...
قال الوكيل: قطعه الرجل ورماه في خلقتي! ...
فانتهره المدير وهو يضربه، وقال له: مستحيل! ... إن هذا الرجل ممن يخافون من الكتابة عنهم خوف البرد، ومسألة بنته أو أخته معروفة يخشى منها الفضيحة ... فلا تقل لي أنه قطع الإيصال ورماه في خلقتك الشريفة ... بل قل إنك قبضت الاشتراك، وسكرت به كعادتك ...
وكانت بقية الفصل خناقة لا أدري كيف انتهت؛ لأنني لا أحب منظر «الخناق» ... فتركتها وأنا أردد قول الكتبي الناصح: إنها صناعة ملعونة وايم الله! •••
بعد هذا كانت علاقتي بالصحافة علاقة الكتاب من «منازلهم» ...
Página desconocida