141

إن الحياة ليست كالساعة أو الخريطة المرسومة بخطوط للتوقيت أو بخطوط للعرض والطول، وليس كل خط من هذه الخطوط المعروضة فيها فاصلا حاسما بين عمرين ...

والستون من ناحية أخرى رقم ثابت لا يتغير ... وأين الرقم الثابت الذي لا يتغير من أطوار الحياة التي هي حركة متغيرة على الدوام في كل حي من الأحياء؟ ...

وأين الرقم الثابت الذي لا يتغير من أطوار الحياة في الأحياء المتعددين الذين يحسبون بالملايين؟ ... •••

لقد سمعنا من زميلنا الأديب الظريف الشيخ عبد العزيز البشري - رحمه الله - نكتة قالها لعضو جليل من أعضاء المجمع اللغوي حين أحيل على المعاش، فقال له متبسطا: «إنك لأصغر من بلغ الستين!»

وكانت هذه النكتة تروى على أنها مزاح تجوز فيه المفارقات، ولا تستلزم فيه الدقة في التعبير ... ولكن الواقع أنها جد دقيق وليست بالمزاح المرسل على عواهنه؛ لأن الستين بالنسبة إلى إنسان قد تكون «أصغر» من الخمسين بالنسبة إلى آخر، وأكبر من السبعين بالنسبة إلى غيره!

والمرجع في ذلك إلى العلم والتجربة المعهودة بين الناس، فإن علماء التاريخ الطبيعي يقررون نسبة بين سن النضج وعمر الحي من الآدميين وغير الآدميين: بعضهم يقول إن عمر الحي ثمانية أضعاف السن التي يتم فيها نموه ونضجه، وبعضهم يقول إنه سبعة أضعافه أو ستة أضعافه ... ولكنهم متفقون على وجود النسبة بين أسنان النمو وبين أعمار الأحياء.

فلا غرابة على هذا أن يكون المبكر في النمو مبكرا في الشيخوخة، وأن يكون ابن الستين في هذا الإقليم أصغر من ابن الخمسين في ذلك الإقليم، على حسب اختلاف الجو والمناخ، وعلى حسب اختلاف أثرهما في تكوين الأجسام والأعضاء. •••

كذلك تختلف القدرة والعجز في الشيخوخة، على حسب اختلاف الأعمال أو الأعباء التي ينهض بها الإنسان ... وقبل أن نقول مثلا إن الشيخوخة أعجزته عن عمله، ينبغي أن نعرف أولا ما هو هذا العمل الذي أعجزته عنه؟ ...

فالرجل الذي يجاهد بأعضائه وعضلاته غير الرجل الذي يجاهد بتفكيره وعزيمته، أو الرجل الذي يجاهد بحسه وشعوره ...

بل تختلف المجاهدة بالتفكير والعزيمة على حسب الاختلاف في نوع التفكير ونوع العزيمة.

Página desconocida