ومن هذه الأيام ما أذكره ولا أنساه، ولا أحتاج إلى العناء في البحث عن ذكراه ...
فكل يوم ظفرت فيه بنفسي، وخرجت فيه من محنة الشك فيما أستطيع وما لا أستطيع؛ فهو يوم جميل بالغ الجمال.
جميل ذلك اليوم الذي قضيت عشرات الأيام في انتظاره مترددا بين إغراء اللذة وإيحاء الكرامة، حتى وصلت إليه فحمدت لنفسي أنها عملت بما ينبغي أن تفعل، واستطاعت أن تفعله ولا تندم عليه ...
جميل ذلك اليوم الذي ترددت فيه بين ثناء الناس، وبين عمل لا يثني عليه أحد، ولا يعلمه أحد، فألقيت بالثناء عن ظهر يدي، وارتضيت العمل الذي أذكره ما حييت، ولم يسمع به إنسان ...
جميل ذلك اليوم الذي وقفت فيه بين الخوف من عواقب الخروج على زمرة الأقوياء القابضين على أزمة الأمر والنهي في البلد، وبين الرضا بمساوئهم وأباطيلهم، وغنائم رضاي ورضاهم، فخرجت من الزمرة غير ملتفت إلى الوراء، وأسعدني الطالع المبارك، فجمعت بين جرأة المجترئ وحكمة الحكيم، وبين تضحية المجازفة، وثواب الحزم والروية.
جميل ذلك اليوم الذي كاد يحشو جيوبي بالمال، ويفرغ ضميري من الكرامة، فآثرت فيه فراغ اليدين على فراغ الضمير.
جميل ذلك اليوم الذي احتجت فيه، واحتاج فيه مسكين، فغلبت شح النفس، ووجدت بين جوانحي طاقة الصبر على الضيق، ولم أجد فيها طاقة الصبر على منظر العين الذليلة، والقلب الكسير ...
جميل ذلك اليوم الذي استغنيت فيه عن العمل، وملكت فيه ما يغري بالكسل، فطاب لي التعب الذي لا حاجة إليه، ولم يطب لي الكسل الذي يحببه إلي طول الجهد، وقلة الجزاء على العمل الكريم ... •••
هذه الأيام جميلة أجمل ما فيها أن نصيبي منها جد قليل، إلا أن يكون النصيب عرفاني باقتدار نفسي على ما عملت، فهو إذن كثير بحمد الله لا أبادل عليه المكثرين من خيراتهم وطيباتهم، كما يحسبون الخيرات والطيبات ...
أجمل ما في الحياة يوم تملك فيه نفسك، فتعلم أنك ملكت الثروة التي لا يقاس بها ملك المال، ولا ملك اللذة، ولا ملك الثناء.
Página desconocida