Yo soy el sultán de la ley de la existencia
أنا سلطان قانون الوجود
Géneros
قلت لحنونة، وأنا بالضبط لا أعني ما أقوله: أريد أن أكون مثلك.
كانت لا بد أكبر مني ربما بعام أو بعامين؛ فقد كانت أطول وإن كانت أضعف، ولكنها دائما الأعقل والأحكم. وهنا بالضبط أعجز عن التعبير. روحها ذلك الإحساس المشع منها وكأنه النور يأتي من لا مكان أو بطريقة غير مباشرة، روحها تلك كانت تضفي على كلماتها ومشيتها وعلى الطريقة التي ترفع أو تخفض بها يدها أو تقضم قضمة صغيرة وبأسنانها الأمامية من الخبز المقدس. مسحة غريبة البراءة والنقاء والرشاقة تجعلك تعتقد وكأنها ليست من أهل الأرض، وكأنها النوع الثاني من البشر، ذلك الذي يصنع الحلقة الكائنة بينهم وبين الملائكة.
ولا أذكر بماذا أجابتني. ولا حتى على وجه الدقة إذا كانت قد أجابت، وماذا أيضا قالت عن الإنجيل، والخبز المقدس، و«كيرياليسون» ومعناها كما علمتني «يا رب، ارحم». وكنت قد سمعت القسيس الآتي من المدينة يرددها في زفاف «عفيفة» حين تزوجت منذ شهور. كل ما أذكر أني من إجاباتها بدأت أحس أن هناك أناسا آخرين غيرنا نحن، أظن أن الدنيا كلها مسلمة، وأن هذا الدين الآخر الجديد مملوء بأشياء تثير الخيال، وتبعث على حب الاستطلاع الشديد، وخاصة أن لهم في البندر - كما عرفت من حنونة - كنيسة، فيها صورة كبيرة للمسيح، وفيها شموع وثريات بالكهرباء، وفيها غناء؛ بل إن كل صلاتهم غناء في غناء.
ولم أعد أدري، أسر تتبعي لحنونة - حتى وهي في طريقها إلى النوم - إن هو إلا محاولات أكثر لإدراك أشياء أخرى عن هذا الدين، أم هو استسلام لذلك الإشعاع الذي لا يقاوم الدائم الصدور عنها، يجذب إليها الناس والأشياء، ويحيل كل ما تصنعه إلى حدث براق ممتع رقيق مثير.
ولكن ما أعرفه أنه لا أقول بدأت أحس برباط قوي يربطني بها، وإنما بدأت في أحيان أعي أني لا أتركها وكأني ظلها، إحساس كان لا يراودني إلا في اللحظات التي أغادرها فيها.
فوأنا معها كنت لا أحس بنفسي ولا بما أفعله أبدا؛ فأنا ذائب تماما في ذلك اللقاء المستمر معها، لا هم لي إلا تأملها، وتتبع ما تقوله أو تفعله كالمشدوه بمعجزة خارقة، دائمة الحدوث، لا ينفصل عن شعوره بها ولا يبغي إلا أن يظل في حالة النشوة المشدوهة تلك لا يغادرها أو تغادره لحظة.
ويخيل لي أن مشاكل العالم تنشأ من هنا؛ فنحن أبدا لا نستطيع الصبر على ظواهر الكون أو التفاعل التلقائي للأحداث وعلاقات القوى والنماء وهي تنشأ وتنمو وتتفرع وتزدهر، إنما دائما بإرادتنا الحمقاء وقوانيننا التي ابتدعها أقدمون متزمتون، دائما نتدخل، فنفترض سوء النية أو حتى حسنها ونتدخل، وفي تدخلنا نحاول الفرض والكبت والقطع والتأكد المستعجل ولوي سنن الحياة.
ترى ماذا كان يضير أن تستمر علاقة كهذه ، زهرة وديعة وسط غابات الطبائع والنفوس والعلاقات الاجتماعية المتشابكة المعقدة التي لا تدري عنها شيئا.
وماذا يهم أنني ابن مهندس الطلمبات، وأن والد حنونة هو كبير الأسطوات، وأنني ولد وأنها بنت، وأن كلام الناس كثير، مع أن الناس في «المستعمرة» التي نسكنها جميعا قليلون، كلهم لهم مساكن أقامتها لهم وزارة الري قريبا من مبنى الطلمبات هائل الضخامة، مستعمرة ومجتمعها وطلمباتها كائنة في مكان ما، بعيد وسحيق من شمال الدلتا. مجتمع صغير مكون من مجموعة صغيرة - وإن كانت في ذلك الوقت تبدو لعيني وكأنها ربع العالم - مسلمون ومسيحيون، ومع هذا فألف مشكلة قائمة، وألف شوكة تؤلم بلسعها ووخزها هذه العشرات القليلة من الحلوق في ذلك المكان الكائن عند آخر الدنيا.
بدأ الأمر بشكاية من أمي لأبي، وأبي خاضع لأمي منذ قطعت ساقه أو التهمتها مروحة الطلمبات لا أعرف؛ فالقصة غالبا لا تروى، إذ هي دائما وكأنما تجلب معها الذكرى والألم. ومنذ أن أصبح أبي بساق واحدة أصبحت أمي بثلاث سيقان وعشر أيد ومائة لسان.
Página desconocida