وعدت أنظر إلى السقف، وغاظني منظر البرص والعنكبوت فأغلقت عيني حتى أتجنب النظر إليهما.
ولم أدر كم كانت الساعة عندما بدأت أغفو؛ لأني لم أتنبه من نومي إلا بعد المساء، وكانت أمي جالسة في سكون إلى جانب سريري تنظر نحوي، والدموع تسيل من عينيها الحمراوين، فلما فتحت عيني قامت إلي وأهوت على جبيني تقبلني وهي تبكي بكاء مرا.
وقالت في بكائها: لم تعرض نفسك للأذى يا ولدي؟
وجلست على الكرسي تمسح عينيها، وقالت: لم نعرف ما حدث إلا من هذه الورقة التي تركتها على المنضدة، لم تقل لي كلمة وأنت خارج وتركتنا هكذا لا نعرف أين أنت ... ولما قرأت منيرة الورقة اصفر وجهها كأنه ليمونة، فعرفت أن في الورقة شيئا مزعجا ... إنها داهية كبيرة يا ابني، وحماك الله من مركز البوليس ومن كل ما يؤذيك، وأما عبد الحميد فالله يبارك فيه ... هذه دعوة خالصة من قلبي ... الله يحميه لأمه المسكينة ... لم أر أمه منذ سنين، ولما رأيتها وجدت كأني لم أنظر إليها منذ مائة سنة ... وطلبت منها أن ترجو عبد الحميد أفندي ليذهب معي إلى أحد المحامين وإلى مركز البوليس لنعرف السبب في دعوتك إلى هناك ... وفي دقيقة واحدة كان عبد الحميد أمامي، وأراد أن يخرج وحده ليعمل كل شيء وهو لا يعلم أن قلبي يشتعل ... هكذا الشباب دائما لا يعرفون قلوب الأمهات، ولكني قمت معه لأراك ولو من بعيد ... مركز البوليس؟ إنها داهية كبيرة، وركبنا عربة ولم أعرف ماذا قال عبد الحميد أفندي للسائق، حتى نزلنا أمام بيت السيد أحمد جلال ...
فوثبت من سريري وقلت في صيحة مبحوحة: السيد أحمد جلال؟
فقالت أمي: الله يستره السيد أحمد ويحميه يا ابني، والله لولا هو لما أمكننا أن نعمل شيئا ... ومن كان يقدر أن يكلم الحكام كما كلمهم؟ ... ومن كان يقدر أن يجعل المدير يأمر الضابط ...
فقاطعتها في ضيق: كانت الحجرة المظلمة أهون علي من هذا.
فصاحت وهي تخبط صدرها: الحجرة المظلمة؟ يا للمصيبة! قلبي أحس بهذا عندما عرفت أنك في مركز البوليس، حيث يذهب اللصوص وقطاع الطريق والفلاحون المجرمون ... الله يبارك فيك يا سيد أحمد يا جلال.
فعدت مستلقيا على ظهري، ووضعت يدي تحت رأسي، وعزمت على أن أستغرق في التفكير في العنكبوت؛ لأصرف نفسي عن سماع أقوال أمي، ووضعت أمي يدها على رأسي وأخذت ترقيني، ودخلت منيرة عند ذلك فقالت في مرح: الحمد لله على السلامة، كفارة يا سيد بك!
فلم أرد عليها، وفرغت أمي من القراءة فالتفتت إلى منيرة قائلة: لا تنسي أن تزوري مني يا حبيبتي، حماها الله وحمى الشباب جميعا، كانت تحيي أختك كأنها أختها وجلست طول الوقت جنبي ومالت على يدي وهي تسلم علي عند انصرافي.
Página desconocida