وجاءت الساعة الموعودة وبدأ الاحتفال في شادر البطيخ، ورأيت النظارة يملئون المقاعد عندما نظرت إليهم من ثقب الستارة، ولم أرد أن أعكر صفاء الحفلة بالإصرار على أخذ باقي العشرين جنيها؛ لأني شعرت بالاطمئنان إلى أن الربح سيكون كافيا الجميع.
وسارت الرواية سيرا حسنا، وكان إعجاب النظارة ظاهرا من تصفيقهم وصفيرهم وخبطهم بالأرجل على الأرض، وكان حمادة يذهب ويجيء من وراء المسرح وهو بادي السرور، وكلما جاء دوره ذهب ليؤديه أداء طبيعيا كسمسار خبيث حقا.
ثم جاء منظر مصطفى عجوة وكيل الدائرة بعد أن كشفت خيانته فجعلت أشتمه وأهدده وصفعته على وجهه صفعة شديدة كما يحتمه الموقف في الرواية بحسب الاتفاق، فما كان منه إلا أن أدى دوره الأصلي كما هو مكتوب في الرواية، ورفع يده الضخمة على غير انتظار مني وضربني على وجهي ضربة شديدة ترنحت من ثقلها، فما كان مني إلا أن هجمت عليه ولكمته على وجهه لكمات متعاقبة وأنا أشتمه وألعنه حتى وقع على الأرض، وبركت فوقه أكيل له اللكمات في غيظ والناس يضجون بالضحك والتصفيق والصفير، وأرخي الستار، واضطرب الشادر، وجاء حمادة يجري نحوي ويلطم وجهه قائلا: «ضعنا!»
ولم أهتم بقوله ولا بأقوال الزملاء الآخرين، وانصرفت ذاهبا إلى بيتي فأغلقت علي بابي وأخذت أبكي بكاء مرا، وكان شعوري بالخزي يخيل إلي أن أذهب إلى أمي لأوقظها من النوم وأقبل رأسها وأعتذر إليها وأسألها الصفح عني. ألم يكن كل ما أصابني نتيجة لغضبها؟
ولما طلع علي الصباح سارعت إليها وقبلت رأسها، وأخذت أعترف لها بسوء مسلكي وبكل ما حدث لي، وسألتها مخلصا أن تصفح عني وتدعو لي بالهداية، وشعرت عندما مسحت على رأسي بيدها وأخذت ترقيني أني ألوذ بالملجأ الوحيد الذي أستطيع أن ألجأ إليه دائما وأجد الأمن في ظلاله.
الفصل الثاني
كانت أمي تحاول أن تخفي تأثرها وأنا أحدثها عن محاولاتي في البحث عن العمل وما لقيته فيها من الخيبة، ولكن عينيها الرطبتين كانتا تدلان على مقدار رثائها.
وقلت لها في تردد: ولا بد لي من أن أعيد الكرة مرة أخرى؛ فالمدرسة أصبحت مستحيلة.
فقالت: لا أحب أن أعارضك يا سيد، ففكر في مستقبلك كما تحب.
فقلت: يمكنني أن أتقدم للامتحان من منزلي، المهم أن الوظائف تحتاج إلى الواسطة. كل شيء في هذه الأيام يحتاج إلى الواسطة.
Página desconocida