فقال في سخرية: قل لنفسك.
وظهر لي جسمه الضئيل كأنه طفل عنيد، وعجبت لشدة ثباته إذ رأيت أمامي شخصية صعبة المراس، وكان وجهه النحيل يشبه وجه ابن آوي إذا كشر عن أنيابه.
وفكرت في أن أسلك طريقا آخر غير التهديد، فقلت: لست أريد يا حمادة أن أضرب قبل أن أبذل كل جهدي في تسوية هذا الأمر بسلام؛ لأني أشفق عليك.
فأجاب في غضب: ومن طلب منك الشفقة؟ أنا أكره الرحمة ولا أحب أن تشفق علي، لا تظن أني أرضى بأن أكون موضعا للشفقة، لست أخجل من شيء ولا يهمني أن يقول الناس جميعا أني نذل ووغد ومجرم، ما لك أنت؟ أنا آخذ وألعن، وآكل وألعن، وأعيش مع زينب الساقطة، ويحلو لي أن ألعنها وتلعنني، أنا أصرف من كسبها وأعرف أنها ساقطة وأقوم بأية خدمة قذرة في نظير جنيهات قليلة لأصرفها عند منولي، ما لك أنت؟ اذهب عني ودعني.
وانفلت مني في عنف وأسرع منصرفا وهو يقول بصوت خافت: ما لك أنت؟ أنا قط ضال، أنا كلب عقور، أنا فأر قذر، أي شيء ولكني لا أرضى أن أكون موضعا للشفقة، لا أرضى أن أكون كبشا ولا حمارا، أخطف وأخبط! وأرقع، وأشرب الزفت أو أبلع السم! هذا كل شيء، من قال إني أطلب الرحمة؟
وأسرعت وراءه لأدركه حتى قبضت على ذراعه بشدة، وصحت به في ضجر: أتعني أنك عزمت على الاستمرار في المؤامرة؟ أنت تعرف أنها مؤامرة ملفقة، وأنا أعرف أنها كذلك.
فقال صائحا في وجهي: طيب، وماذا تريد؟
فقلت وأنا أهدئ نفسي: أريد أن أذكرك بأنك قلت لي بلسانك أنك مزور، هذا العقد الذي تهدد به لا يساوي مليما.
فصاح: من قال هذا؟
فقلت في ثبات: أنت. ألا تذكر أنك قلت لي إنك تزوجت من المرأة؟ أنسيت أنك تزوجتها وأنها دفعت الجنيه للمأذون؟ فمن هذا الولد الذي ولدته المرأة؟
Página desconocida