132

وكانت عودتي إلى منزلي مفاجأة، وبكت منيرة عندما رأتني، وأما أمي فقد ضمتني إلى صدرها، وقالت في حزن: طبعا عرفت المصيبة الكبرى، مسكينة منى!

ووثب قلبي عندما سمعت اسمها، وقلت: هل ذهبت للعزاء؟

فقالت: طبعا يا بني، من كان يحسب أنه يموت هكذا؟ وماذا أخذ المسكين معه؟ إنها قسمة يا ابني، ومنى المسكينة! تكاد تقتل نفسها من البكاء، لو أنصفت الدنيا لكانت منى من نصيبك يا بني.

يا ليتها لم تكن غنية، منى الجميلة الوديعة! مسكينة.

وكدت أصيح: «ما الخبر؟» ولكني داريت لهفتي قائلا: وهل هي أول فتاة مات أبوها؟

فخفضت أمي صوتها قائلة: كفانا الله الشر يا ابني وكفانا شماتة الأعداء، لا أحب أن أعيد ما قيل؛ لأنه فظيع، وربنا يستر أعراض الناس.

فوثب قلبي إلى حلقي، وأردت أن أسأل أمي عن قصدها، فلم أقدر على النطق، واستمرت أمي تقول: الموت محتوم علينا جميعا، ولكن الفضيحة يا ولدي، إنها مصيبة، تصور يا ولدي أن امرأة لا قيمة لها تقتل الرجل، نعم امرأة حقيرة قتلته؛ لأنها ملأت المدينة بالفضيحة، والأدهى من ذلك أن يقوم رجل لا قيمة له أيضا، ويقلب المدينة من فوقها إلى تحتها بالتشنيع على السيد أحمد المسكين. أتعرف حمادة الأصفر؟

فقلت في حنق: لست أفهم ماذا تقصدين يا أمي بكل هذا؛ لأني لم أسمع بشيء عن السيد أحمد جلال سوى أنه مات، ما هذه الفضيحة؟ ومن هي المرأة التي قتلته؟ وما دخل حمادة الأصفر في هذا؟

فقالت أمي: من يصدق أن السيد أحمد جلال يتزوج بامرأة حقيرة؟ ومن يصدق أنها ولدت منه ولدا مع أنه كان مستعدا للتصدق بنصف ماله إذا ولدت له زوجته ولدا، ذهبت المرأة في كل أنحاء المدينة تعيد هذا القول لتفضحه، وقام حمادة الأصفر معها يساعدها، ورفع لها قضية في المحاكم، مسكين السيد أحمد جلال، بعد ثلاثة أيام من هذه الفضيحة رقد السيد أحمد مريضا ومات في ليلة واحدة، أيصدق أحد هذا؟

فقلت في هدوء: ولم لا ؟

Página desconocida