Enfermedades del corazón y su curación

Ibn Taimiyya d. 728 AH
18

Enfermedades del corazón y su curación

أمراض القلب وشفاؤها

Editorial

المطبعة السلفية

Número de edición

الثانية

Año de publicación

١٣٩٩هـ

Ubicación del editor

القاهرة

Géneros

Sufismo
الْفَاحِشَة ويراوده عَلَيْهَا ويستعين عَلَيْهِ بِمن يُعينهُ على ذَلِك فاستعصم وَاخْتَارَ السجْن على الْفَاحِشَة وآثر عَذَاب الدُّنْيَا على سخط الله فَكَانَ مَظْلُوما من جِهَة من أحبه لهواه وغرضه مفاسد فَهَذِهِ الْمحبَّة أحبته لهوى محبوبها شفاؤها وشقاؤها إِن وافقها وَأُولَئِكَ المبغضون ابغضوه بغضة أوجبت أَن يصير ملقى فِي الْجب ثمَّ أَسِيرًا مَمْلُوكا بِغَيْر اخْتِيَاره فَأُولَئِك أَخْرجُوهُ من انطلاق الْحُرِّيَّة إِلَى رق الْعُبُودِيَّة الْبَاطِلَة بِغَيْر اخْتِيَاره وَهَذِه ألجأته إِلَى أَن اخْتَار أَن يكون مَحْبُوسًا مسجونا بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَت هَذِه أعظم فِي محنته وَكَانَ صبره هُنَا اختياريا اقْترن بِهِ التَّقْوَى بِخِلَاف صبره على ظلمهم فَإِن ذَلِك كَانَ من بَاب المصائب الَّتِي من لم يصبر عَلَيْهَا صَبر الْكِرَام سلا سلو الْبَهَائِم وَالصَّبْر الثَّانِي أفضل الصبرين وَلِهَذَا قَالَ يُوسُف إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَهَكَذَا إِذا أوذي الْمُؤمن على إيمَانه وَطلب مِنْهُ الْكفْر أَو الفسوق أَو الْعِصْيَان وَإِن لم يفعل أوذي وعوقب فَاخْتَارَ الْأَذَى والعقوبة على فِرَاق دينه إِمَّا الْحَبْس وَإِمَّا الْخُرُوج من بَلَده كَمَا جرى للمهاجرين حِين اخْتَارُوا فِرَاق الأوطان على فِرَاق الدّين وَكَانُوا يُعَذبُونَ يُؤْذونَ وَقد أوذي النَّبِي ﷺ بأنواع من الْأَذَى فَكَانَ يصبر عَلَيْهَا صبرا اختياريا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُؤْذِي لِئَلَّا يفعل مَا يَفْعَله بِاخْتِيَارِهِ وَكَانَ هَذَا أعظم من صَبر يُوسُف لِأَن يُوسُف إِنَّمَا طلب مِنْهُ الْفَاحِشَة وَإِنَّمَا عُوقِبَ إِذا لم يفعل بِالْحَبْسِ وَالنَّبِيّ ﷺ وَأَصْحَابه طلب مِنْهُم الْكفْر وَإِذا لم يَفْعَلُوا طلبت عقوبتهم بِالْقَتْلِ فَمَا دونه وأهون مَا عُوقِبَ بِهِ الْحَبْس فَإِن الْمُشْركين حبسوه وَبني هَاشم بِالشعبِ مُدَّة ثمَّ لما مَاتَ أَبُو طَالب اشتدوا عَلَيْهِ فَلَمَّا بَايَعت الْأَنْصَار وَعرفُوا بذلك صَارُوا يقصدون مَنعه من الْخُرُوج ويحبسونه هُوَ وَأَصْحَابه عَن ذَلِك وَلم يكن أحد يُهَاجر إِلَّا سرا إِلَّا عمر بن الْخطاب وَنَحْوه فَكَانُوا قد الجأوهم إِلَى الْخُرُوج من دِيَارهمْ وَمَعَ هَذَا منعُوا من منعُوهُ مِنْهُم عَن ذَلِك وحبسوه فَكَانَ مَا حصل للْمُؤْمِنين من الْأَذَى والمصائب هُوَ باختيارهم طَاعَة لله وَرَسُوله لم يكن من المصائب السماوية الَّتِي تجْرِي بِدُونِ اخْتِيَار العَبْد من جنس حبس يُوسُف لَا من جنس التَّفْرِيق بَينه وَبَين أَبِيه وَهَذَا أشرف النَّوْعَيْنِ وَأَهْلهَا اعظم بِدَرَجَة وَإِن كَانَ صَاحب المصائب يُثَاب على صبره وَرضَاهُ وتكفر عَنهُ الذُّنُوب بمصائبه فَإِن هَذَا أُصِيب وأوذي بِاخْتِيَارِهِ طَاعَة لله يُثَاب على نفس المصائب وَيكْتب لَهُ بهَا عمل صَالح قَالَ تَعَالَى التَّوْبَة ذَلِك بِأَنَّهُم لَا يصيبهم ظمأ وَلَا نصب وَلَا مَخْمَصَة فِي سَبِيل الله وَلَا يطئون موطئا يغِيظ

1 / 20