Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Géneros
فلقد تفاقمت الأحقاد بين الرشيد والبرامكة إلى حد دفع به إلى تسريب جواسيسه وعيونه وبصاصيه للتجسس عليهم وعلى أعوانهم، حتى داخل إيوان وغرف نوم الوزير الأول جعفر، ووالده الشيخ يحيى البرمكي، وأخيه الأصغر الفضل.
وهكذا تجمعت الوساوس والدسائس باتجاه نكبة البرامكة وحلفائهم؛ وهم هنا: ذات الهمة، وابنها الأمير الفاتح عبد الوهاب، والأمير أبو محمد البطال.
الرشيد يعتقل ذات الهمة
وساور الشك الأميرة ذات الهمة وهي تستقبل مبعوث الخليفة الجديد هارون الرشيد، وتتسلم رسائله قارئة - على استعجال وترقب - ما جاء فيها، باحثة من فورها عن الأمير عبد الوهاب لمشاورته فيما يبعث به إليهما في مقر قيادتهما بالقسطنطينية أمير المؤمنين.
أحاطت بها من جديد الهموم وهي تصرف الرسول مستعدة للخروج والتوجه من فورها إلى مضارب الأمير عبد الوهاب، والاجتماع به هو والأمير أبي محمد البطال؛ لبحث الأمر من جميع جوانبه دون عجلة ، والوقوع في حبائل فعل أو قرار خاطئ قد يقلب حياتهم رأسا على عقب.
كانت في السنوات الأخيرة قد آثرت حياة الهدوء منشغلة بتربية أبناء عبد الوهاب الثلاثة: قشعم وضيغم، من زوجته الحجازية، وسيف الموحدين، ابن زوجته علوى «أخت راشد»، وكانت قد رأت سلواها في إعداد أجيال أشبال المحاربين؛ تتولاهم بنفسها بالرعاية وهي تسقيهم - مع لبن الأم - مراحل إعدادهم كفرسان، حتى إذا ما اتسع إدراكهم بدأت في طور إعدادهم كمحاربين وفرسان بتسريب فنون الحرب الحديثة إليهم، وما طرأ عليها من عتاد ومخترعات، مع إعطاء الاعتبار الأهم للفنون البحرية، ومواقع الثغور وطبيعتها، وأهميتها للعرب والمسلمين.
ولم تكن ذات الهمة تضن بشيء على أبناء شهداء المحاربين تحت راياتها وابنها عبد الوهاب، وهم جيل كامل من اليتامى وأبناء قتلى الحرب المستعرة منذ عشرات السنين، بل منذ قرون ... منذ جدها الصحصاح الفاتح الأول لهذه العاصمة - مكمن وبؤر الفتن والمؤامرات والعدوان ضد العرب.
اتخذت طريقها على صهوة جوادها، يتبعها حرسها، وتسبقها كلابها إلى مضارب ولدها عبد الوهاب، حتى إذا ما وصلته لم تترجل عن جوادها، بعد أن علمت من الحراس والحجاب تغيب الأمير عبد الوهاب بصحبة الأمير البطال منذ ضحى اليوم في مهمة سرية للغاية لم يبلغاها بها، كما هي العادة سابقا في مفاتحتها في كل صغيرة وكبيرة.
ترددت الأميرة ذات الهمة قليلا ثم غمغمت لنفسها: لا بأس.
فهي التي آثرت ورغبت هذا الوضع باختيار حياة طابعها الركون إلى الهدوء الأقرب إلى الاسترخاء، ولو من أجل منطلق إعادة تضميد جراحاتها الغائرة من هول الحرب المديدة وأخطارها طيلة سنوات نزفت فيها من دمها القاني مدرارا، وهي التي دأبت على إخفاء جراحها عن كل أعين، مثلها في هذا مثل جدها جندبة بن الحارث، الذي عادى الأطباء والحكماء إلى أن وافته المنية.
Página desconocida