Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Géneros
فمن جانب ذات الهمة ... لا بأس، طالما أنه بعيد عنها لا يقلقها تواجده، وترصده لها باعتبارها زوجته كما هو المتبع.
إلا أن الحارث لم يكن لينشغل عنها، وعن تسمع أفعالها وسكناتها، بل وزفراتها اليومية التي يحملها إليه بصاصوه وعياروه وعيونه المنبثة داخل مضاربها دون هوادة، طالما أن الحارث يخلع عليهم فاخر الثياب والأموال والجواري الرومية والرتب.
وهكذا تسابق الجميع إلى خدمته، وهو المنوط به حراسة عتاد الحرب وخطوط تموين الحملات، وما يقع في أيدي المسلمين من سبي وغنائم وثروات.
ومن هنا اتسعت سلطات الحارث، وعم ثراؤه إلى الحد الذي أصبح به مضرب الأمثال، فأصبح يقتني الخيول العربية الأصيلة، ويرتدي أفخر الثياب، ولا ينثني ليلة عن إقامة الموائد والاحتفالات، ورحلات التريض الخلوية من بحرية وبرية.
وضرب عرض الحائط بكل أقوال وتوجيهات ذات الهمة في التيقظ للأعداء، وعدم الاستسلام لحياة التهادن والمهادنة الرخوة، فما حدث من انتصار على الثغور ليس إلا حلقة بسيطة من سلسلة متصلة، مداها الوصول إلى أصل الداء ومنبعه؛ وهو العاصمة «القسطنطينية».
لم يلق الحارث بالا ولا التفاتا لكل هذا، مدعيا أن من حق المحاربين الخلود للراحة والترفيه المؤقت إلى أن يحين داعي الجهاد.
كل هذا وعينه لا تغفل عن ذات الهمة، وكيفية الوصول إلى منالها ... حلمه الدفين، الذي ينام ويصحو على تحقيقه يوما، ولو لمجرد استعادة ثقته في نفسه كرجل وابن عم وزوج، وهو ما أصبح يتوق إلى بلوغه وتحقيقه بسبب النظرات الساخرة الصادرة من عيون أقرب مقربيه، مما تقوض ضلوعه وجوانحه انكسارا وتهافتا.
لقد كان الحارث يحس في أعماق نفسه بمدى الهوة العميقة الفاصلة بينه وبين ابنة عمه، فهو أبدا ليس ندا لها، لا من حيث السمعة وعلو المنزلة التي أحرزتها منذ أن كانا في موطن الأهل والصبا ... وادي الحجاز، ولا من حيث القدرة على اتساع البصيرة وتوقع الأخطار المحيطة بالعرب، والعمل على مواجهتها قبل تضخمها واستفحالها، ولا من حيث القدرة على النزال والفروسية التي تفوقت فيها الدلهمة، حين نازلته مرارا وتكرارا، وفي كل مرة كانت تصرعه صرعا تحت سنابك جوادها على مشهد من جميع الأهل والقبائل.
فكيف للحارث أن ينسى كل هذا لذات الهمة؟ كيف؟! •••
وهكذا واصل إحكامه في السيطرة على دخائل قصر الأميرة ذات الهمة، إلى حد استقدام حارسها وخادمها الخاص الملاصق لها، الذي لا يبتعد عنها لحظة منذ أن تربت في براري الحجاز وفلسطين، وهو مرزوق، ابن مربيتها ومرضعتها أم مرزوق، التي لازمتها حتى في غياهب الأسر منذ الطفولة.
Página desconocida