إن ذلك غير ميسور؛ لأنه لا يجوز لنا أن نرسل جنودا في بلاد الدولة إلا بقرار دولي خاص، ولا يزال البارلمنت مجتمعا فإذا سمع الأحرار أننا أخرجنا جنودنا إلى البر، أقاموا الدنيا وأقعدوها، متخذين ذلك حجة ضد المحافظين لإسقاطهم من الوزارة، ولكن قد نستطيع أن نطلب من الوالي فيعطينا فرقة من الجنود التركية.
السر هنري :
وما أدرانا أنهم لا ينضمون إلى بني صخر، فنخرج من شر ونقع في شرين؟!
الكولونل :
هذا بعيد الاحتمال؛ لأنهم أميل إلى الدروز منهم إلى البدو، وليس لهم مصلحة خصوصية في الانضمام إلى هذا الفريق أو ذاك، ولا بد ما يفعلون بأمر الوالي.
فصمت السر هنري وفكر في الأمر هنيهة، ثم قال: أظن أن هذا هو الرأي الصواب؛ فنطلب من الوالي مائتي فارس وأنا أقوم بنفقاتهم.
فقال الكولونل: ولا أظن أنه يمانع إذا ذهب معك عشرة من الجنود البحارة لحمايتك.
ووصل فؤاد باشا في الميعاد وكان راكبا جوادا مطهما، وأمامه ووراءه كوكبة من الفرسان فلاقاه الكولونل إلى باب المنزل، وتصافحا وسلم على السر هنري مصافحة؛ لأنه كان قد رآه مرارا في المخابرات السابقة، وجلس الثلاثة في غرفة الاستقبال يدخنون التبغ الجبيلي، ويتجاذبون أطراف الحديث باللغة الفرنسوية، فأبان فؤاد باشا أن مهمته قد انتهت ولا يبعد أن يعود من سورية قريبا، وشكر للكولونل روز وللسر هنري ما أبدياه من المساعدة له هما وحكومتهما، واستطرد الكولونل روز الحديث إلى أحوال الدروز في جبل حوران وأحوال البدو المجاورين لهم، فرآه عارفا بما بينهم من الضغائن، وبنشوب الحرب بين عرب الفضل وبني صخر، وبانحياز الدروز إلى عرب الفضل، وحاسبا أن هذه الحرب ستضعف الفريقين، فيسهل كبح جماحهما والتسلط عليهما، فأخبره الكولونل أن في أسر بني صخر أناسا يهم السر هنري إنقاذهم منهم، ويود أن يذهب إليهم بحامية من الجنود العثمانية.
فاستحسن فؤاد باشا ذلك، وعرض عليه خمسمائة فارس يرسلهم مع السر هنري، فشكره السر هنري على ذلك، وانتقلوا إلى الكلام على حكومة لبنان، وغرض فرنسا من رد ولايته إلى الأمراء الشهابيين، واعتراض اللورد دفرن على ذلك، فأبان فؤاد باشا أنه كان يفضل أن يقسم الجبل إلى قسمين يضاف قسم منهما إلى ولاية دمشق، وقسم إلى ولاية بيروت، فبين له الكولونل أن الدول الأوروبية لا توافق على ذلك، فليس من الحكمة محاولته أما البقاع فلا بأس بضمه إلى ولاية دمشق؛ لأن أكثر سكانه من غير المسيحيين.
ولما انتهت الزيارة قام فؤاد باشا فودع بما قوبل به من الإكرام.
Página desconocida