ولم يهتم الخدم بسكره؛ لأنهم كانوا معتادين أن يروه سكران، أما زوجته فخافت أن يسمع أحد من الأميرات الأسيرات صوته، وحاولت وضعه في فراشه، فدفعها عنه وأراد الخروج لكن السكر كان قد أضعفه، فتغلبت عليه هي والعبد وأجلساه على فراشه، ولم يعد يستطيع القيام لكنه بقي يعربد ويهذي ساعة من الزمان، ثم جاشت نفسه فاستفرغ بعض ما في معدته، وانطرح في فراشه كالميت إلى أن أصبح الصباح.
الفصل الرابع والثلاثون
التزلف والنفور
الأميرة هند وابنتها وولداها في خيمة سوداء من الشعر، مرفوعة العماد، مبطنة بشقق الحرير الدمشقي المخطط بالأصفر والأزرق، وهي جالسة على أريكة متكئة على مسند عابسة الوجه مقطبة الجبين، والسيكارة في يدها والأمير حسان واقف أمامها يكلمها بصوت منخفض، ويسترق اللحظ إلى الأميرة سلمى وهي جالسة إلى جانب أمها مستندة إلى مسند آخر لكنها صامتة لا تتكلم، وحاول الأمير حسان جهده لكي يصلح منطقه حتى يكون بلغة مفهومة لدى الأميرة هند، فقال: لقد أبنت لحضرتك أننا لم نقصدك أنت وأولادك بسوء على الإطلاق، ولم يكن لنا غرض إلا عرب الفضل لأخذ الثأر وكشف العار، وأنتم آل شهاب من العرب الكرام الذين يعرفون عادات القبائل ولا يرضون لنا بمذلة إذا أمكننا أن نرفعها عنا.
الأميرة هند :
أنا لا أجادلك في ذلك، ولا أقول لك أن لا تأخذ بثأرك من أعدائك ، ولكن كان في إمكانك أن تخبرنا حتى نرحل عن عرب الفضل، أو أن تخبر رجالك لكيلا يمسونا بمكروه، ولا يحملوا إليك بنات شهاب سبايا، كما حملونا. ما هذا ظني بك يا أمير، ولا تستطيع أن تعتذر بأنك لم تكن تعلم أننا نازلون على الأمير عمر؛ لأنني أرى أنكم تعلمون كل شيء في هذه البلاد.
فقال: لا أنكر عليك أنني كنت عالما بنزولكم على عرب الفضل، وكنت أحسدهم على هذا الشرف، ولكن لم يخطر ببالي أننا نفوز عليهم هذا الفوز المبين، وغاية ما كنت أتوقعه أن نأخذ بثأرنا منهم، ونستاق بعض ماشيتهم غنيمة، أما الوصول إلى مضاربهم وسبي من فيها، فلم نكن لنطمع به، والظاهر أن وجودك في مضاربهم غل أيديهم، وأفسد تدابيرهم، ولولا ذلك لناوشونا إلى أن نبعد عن حماهم، وأميرهم بطل مجرب ولكن خانته الأقدار هذه النوبة؛ لأنه ظلمنا هو وقومه، والله لا ينصر القوم الظالمين.
الأميرة هند :
والآن على أي شيء عولت؟
الأمير حسان :
Página desconocida