فقال: «طالما خدعتني الآمال، وصدقت المتملقين أهل الفساد حتى نزغ الشيطان بيني وبين أخي، فرأيت رجاله أثبت من رجالي وقواده أكفأ من قوادي ورجعت إلى رشدي، فإذا أحببت أن أصالحه لا أجد من يتوسط بيني وبينه، فها أنا ذا أطلعتك على سر ضننت به على أهل دولتي. وعلى أمي.»
فقال سعدون: «إني عند ثقة مولاي.» فقال الأمين: «لا أخفي عليك أني لما فرغت يدي من الرجال والمال وامتنع علي الخروج بعثت إلى هرثمة في البر الشرقي أطلب الأمان وأنا في انتظار الجواب، فهل أحسنت؟»
مقتل الأمين
أظهر سعدون الأسف للأمين، ثم رفع حاجبيه، وقال: «حسنا فعلت، وما في الأمان عار لا سيما أنك ستكون في أمان أخيك، والدم لا يتغير ولا يخون، ولكن ...» وسكت.
وكان الأمين يصغي لكلام سعدون وبيده تفاحة يقشرها، فلما رآه توقف قال: «ولكن ماذا؟»
قال: «لا أدري الحكمة في الاتصال بهرثمة دون طاهر، وهو صاحب الجند المحاصر لهذا الشطر من بغداد.»
فتنهد الأمين ورمى التفاحة من يده وقال: «لا، لا أتصل بطاهر؛ فإني أتطير منه وأكرهه، وقد رأيت في منامي كأني واقف على حائط من آجر شاهق عريض الأساس لم أر مثله في الطول والعرض، وعلي سوادي ومنطقتي وسيفي، وكان طاهر عند أساس الحائط فما زال يضربه حتى سقط وسقطت قلنسوتي عن رأسي فتشاءمت منه. أما هرثمة فإنه من موالينا وهو بمثابة الأب لي.»
فرقص قلب سعدون طربا لهذه البشرى وقال: «الأمر لمولانا.»
وفيما هما في الحديث جاء الغلام يقول: «إن رسول أمير المؤمنين بالباب.»
فقال الأمين: «يدخل حالا.»
Página desconocida