وقدْ صادهُ ضرمٌ مُلحمٌ ... خفوقُ الجناحِ حثيثُ النَّجا
حديدُ المخالبِ عاري الوظي ... فِ ضارٍ من الزُّرقِ فيهِ قنَا
ترى الوحشَ والطَّيرَ من خوفهِ ... جواحرَ منهُ إذا ما اغْتدى
فباتَ عذوبًا على مرقبٍ ... بشاهقةٍ صعبةِ المُرتقى
فلمَّا أضاءَ لهُ صبحهُ ... ونكَّبَ عن منكبيهِ النَّدى
وحتَّ بمخلبهِ قارتًا ... على خطمهِ منْ دماءِ القطَا
فصعَّدَ في الجوِّ ثم اسْتدا ... رَ ضارٍ حثيثٌ إذا ما انْصمى
فآنسَ سربَ قطَا قاربٍ ... جبَا منهلٍ لم تمِحْه الدَّلا
غدونَ بأسقيةٍ يرتوينَ ... لزغبٍ مطرَّحةٍ بالفلا
يُبادرنَ وردًا فلمْ يرعوينَ ... على ما تخلَّفَ أو ما ونَى
تذكَّرنَ ذا عرمضٍ طاميًا ... يجولُ على حافتيهِ الغُثا
بهِ رفقةٌ من قطًا واردٍ ... وأُخرى صوادرَ عنهُ رِوا
فملأنَ أسقيةً لم يُشنْ ... بخرزٍ وقد شدَّ منها العرَا
فأقعصَ منهنَّ كدريَّةً ... فمزَّقَ حيزومَها والحشَا
تخالُ حفيفَ جناحيهِ إذْ ... تدلَّى من الجوِّ برقًا سنَا
فولَّينَ مجتهداتِ النَّجا ... جوافلَ في طامساتِ الصّوى
فاُبنَ عطاشًا فسقَّينهنَّ ... مُجاجاتهنَّ كماءِ السَّلى
فبتنَ يُراطنَّ رقشَ الظُّهو ... رِ حمرَ الحواصلِ صفرَ اللَّها
فذاكَ وقد أغتدي في الصَّباحِ ... بأجردَ كالسِّيدِ عبلِ الشَّوى
له كفلٌ أيِّدٌ مشرفٌ ... وأعمدةٌ لا تشكَّى الوجَى
وأُذنٌ مؤلَّلةٌ حشرةٌ ... وشِقٌّ رحابٌ وجوفٌ هوَا
ولحيانُ شدَّا إلى منخرٍ ... رحيبٍ وعوجٌ طوالُ الخُطا
لهُ سبعةٌ طلنَ من بعدِ أنْ ... قصرنَ له سبعةٌ فاسْتوى
وسبعٌ عرينَ وسبعٌ كُسينَ ... وخمسٌ رواءٌ وخمسٌ ظمَا
وسبعٌ قربنَ وسبعٌ بعدْ ... نَ منهُ فما فيهِ عيبٌ يُرى
وسبعٌ غلاظٌ وسبعٌ رقاقٌ ... وصهوةُ عيرٍ ومتنُ خطَا
حديدُ الثّمانِ عريضُ الثّمانِ ... شديدُ الصِّفاقِ شديدُ المطَا
وفيهِ منَ الطَّيرُ خمسٌ فمنْ ... رأى فرسًا مثلهُ يُقتنى
غُرابانِ فوقَ قطاةٍ لهُ ... ونسرٌ ويعسوبهُ قد بدَا
ويؤثرُ بالزَّادِ قبلَ العيالِ ... وفي كلِّ مشتاتهِ يُقتفى
قصرْنا لهُ منَ جيادِ اللَّقا ... حِ خمسًا مجاليحَ كومَ الذُّرى
يُفادى بعضٍّ لهُ دائبًا ... ونُقفيهِ من حلبٍ ما اشْتهى
فقاظَ صنيعًا فلمَّا شتَا ... أخذْناهُ بالقودِ حتَّى انْطوى
فهِجنا بهِ عانةً في الغطاطِ ... خماصَ البطونِ صحاحَ العُجى
فولَّينَ كالبرقِ في نفرهنَّ ... جوافلَ يكسرنَ صمَّ الصَّفا
فصوَّبهُ العبدُ في إثرِها ... فطورًا يغيبُ وطورًا يُرى
فجدَّلَ خمسًا فمنْ مقعصٍ ... وشاصٍ كراعاهُ دامِي الكُلى
وثِنتانِ خضخضنَ قُصيبهُما ... وثالثةٌ نشجتْ بالدِّما
فرُحنا بصيدٍ إلى أهلِنا ... وقد جلَّلَ الأرضَ ثوبُ الدُّجى
وبتْنا نقسِّمُ أعضاءهُ ... لجارٍ ويأكلهُ منْ عفَا
ورحْنا مثلَ وقفِ العرُو ... سِ أهيفَ لا يتشكَّى الوجَى
وباتَ النِّساءُ يعوِّذنهُ ... ويأكلنَ من صيدهِ المُشتوى
عبد الله بن عباس
خبر عبد الله بن عباس ونافع بن الأزرق وقصيدة عمر بن أبي ربيعة
حدَّث الرواة: أن نافع بن الأرق الخارجي، أتى عبد الله بن عباس، ﵁ يومًا فطفق، حتَّى تبرم وجعل يعرض عنه ضجرًا، فطلع عمر بن عبد الله ابن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو يومئذ غلام، فسلّم على عبد الله وجلس، فقال عبد الله: أنشدنا شيئًا، فأنشده: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر، حتَّى انتهى إلى آخرها، وهي نحو من ثمانين بيتًا. فقال ابن الأزرق: لله أنت يا ابن عباس، أنضرب إليك أكباد الإبل نسألك عن الدين، فتعرض، ويأتيك غلام من قريش فينشدك سفهًا فتسمعه؟ تالله ما سمعت سفهًا، فقال: أما أنشدك:
رأتْ رجلًا أمَّا إذا الشَّمسُ عارضتْ ... فيخزى وأمَّا بالعشيِّ فيخسرُ
1 / 61