بينها وحاول تفسيرها وتأويلها؛ بالمنهج الّذي عالج به تأويل آي القرآن؛ مستعينا بشواهد الشعر واللغة؛ موضحا مذهب أصحابه من أهل العدل؛ مدليا بحجتهم على من خالف تأويلهم من جماعة أهل السنة، أو أهل الجبر كما كان يسميهم؛ وناقش ابن قتيبة وأبا عبيد القاسم بن سلام وابن الأنبارىّ فى ذلك على الخصوص.
ثم عرض لمسائل فى علم الكلام مما اشتجر فيها الرأى، ودار حولها الجدل؛ واصطرعت الأقلام، وأقيمت المناظرات؛ مثل القول برؤية الله، وخلق أفعال العباد؛ وإرادة الله للقبائح، والقول بوجوب الأصلح، وقرر رأى أصحابه؛ وحاجّ عنهم، واحتج على خصومهم؛ وكان فيما جادل وناقش رفيقا فى الجدل عفيفا فى المقال.
وأودع فى الكتاب بجانب ما بسط من تأويل الآيات والأحاديث وعرض المسائل مختارات من المصطفى المنخول من الشعر وحرّ الكلام؛ تناولها بالشرح والنقد والموازنة، وذكر صدرا من تراجم الشعراء والعلماء والأدباء وأصحاب الأهواء والآراء الخاصة؛ وأورد طائفة من أشعارهم وأقوالهم ونوادرهم، ثم استروح بذكر فيض من الطرائف النادرة، والأجوبة الحاضرة المسكتة، والأفاكيه الرفيعة؛ معتمدا فيما أورده على ما وصل إليه من كتب الجاحظ وابن قتيبة والمبرد وأبى حاتم والآمدىّ وغيرهم، أو ما رواه عن شيوخه، وأبى عبيد الله المرزبانىّ على
الخصوص.
واختار أيضا بعض الموضوعات التى كانت مقاصد شعراء العربية فى الجاهلية وصدر الإسلام؛ كالمدائح والأهاجى والمراثى والسير ووصف الشيب والطيف وغيرها، وأورد ما قاله الشعراء فيها؛ ووازن بين الكثير منها، وتناولها بالنقد فى كثير من الأحيان.
وبهذه الفنون المتنوعة؛ والفصول المختلفة؛ والمباحث الجليلة اجتمع للكتاب ميزة كبرى بين الكتب العربية؛ وعدّ مصدرا ينقل عنه العلماء، ويحتج به الأدباء؛ ويرد شرعته القارءون على ممرّ الأجيال.
***
المقدمة / 19