وثغرٍ أغرّ شتيتِ البناتِ ... لذيذِ المقَبَّلِ والمُبْتَسَمْ
وما ذقتُهُ غَير ظني به ... وبالظَّنِّ يحكم فينا الحَكَمْ
فقال مصعب وهو في الدهليز: بارك الله عليك يا عزَّة، لكنّا والله قد ذقناه فوجدناه كما ذكرتِ.
أخبرني محمد بن يحيى، أخبرنا أبو ذكوان، حدثنا موسى بن سعيد بن سَلْم، قال: كان ابن الأعرابيّ يؤدِّبنا، فدخل الأصمعيّ ونحن نقرأ شعر ابن أحمر " من الوافر ":
أغَدْوًا وَاعَدَ الحيّ الزَّيالا ... لِوَجهٍ لا نُريدُ بهِ بدالا
إلى أن بلغنا إلى قوله:
أرى ذا شَسْبَةٍ حَمَّالَ ثِقْلٍ ... وَأبْيَضَ مِثْلَ صَدْرِ السيفِ نالا
فقال الأصمعيّ: " بالا " فصاح ابن الأعرابي: " نالا نْالا " بالنون، من النول فقال الأصمعي لنا: إنّ الشاعر قد فرَّع من هذا، فقال: فيهم شيخ حمَّال ثِقْل، وهو الذي ينيل ويعطي، وفيهم شابٌّ مثل صدر السيف بالا: أي حالا، وهو كالسيف في حاله وبأسه؛ وفَسَّر هذا في البيت الثاني، فقال:
بهم يسعى المُفاخِرُ حين يَسعى ... إذا ما عَدَّ بأسًا أو نَوالا
فأراد بالبأس: الحال التي وَصَفَ الأبيض الفتى به، وبالنون وصف به ذا الشَّيبة، أنَّه حمَّال ثِقْ. فقام ابن الأعرابيّ على نالا، وانصرف الأصمعيّ، وجاء أبي فعرّفناه الخبر، فقال: القول ما قاله الأصمعيّ، في حفظِهِ أو ذهنِهِ وروايته، فلا، قال: فأمَرَ للأصمعيّ بأربعمئة دينار، ولابن الأعرابيّ بمئتي دينار.
فحدثني يموت بن المزرَّع عن أبي أُمامة الباهليّ، وحضر المجلس: أنّ ابن الأعرابيّ افتُضح بهذا، ثم احتال، فأحضر نُسخة فيها شعر عمرو بن أحمر وقد غيَّر البيت الأوَّل منها، فجعله:
أغَدوًا وَاعَدَ الحيّ الزيالا ... وَشَوْقًا لا يبالي العَيْرُ بالا
ثم قال: معنى الأصمعيّ صحيح، ولكن كيف يُردِّد ابن أحمر قافيتين في قصيدة فزادت فضيحتهم، لضعف المِصراع الذي غيَّروه، وإحالة معناه.
قال محمد: وعندي بخط الغنويّ، أنّ البغداديين عملوا هذا، ليعذروا ابن الأعرابيّ، فافتضحوا.
ذكر يموت بن المزرَّع عن الجاحظ،. قال: حدَّثني ابن فرج الثعلبي، أن قومًا من بني ثعلب، أرادوا قطع الطريق على مال السُّلطان، فأتتهم المعاينة فأعلمتهم أن السلطان قد نَذَرَ بهم، فساروا ثم عزموا على الاستخفاء في دير العذارى، فصاروا إلى الدير ففُتِح إليهم، فلما استقرَّ حتى سمعوا وقع حوافر الخيل في طلبهم، فلمّا أمنوا وجاوزتهم الخيل، خلا كلُّ واحد منهم بجارية، هي عنده عذراء، فإذا القسُّ قد فرغ منهنَّ، فقال بعضهم في ذلك " من المتقارب ":
وألوَط من راهبٍ يَدَّعي ... بأنَّ النِّساء عليه حرامْ
يُحَرِّمُ بيضَاءَ ممكورةً ... ويغْنيهِ في البضعِ عنها غلامْ
إذا ما مشى غضّ من طَرْفِهِ ... وفي الدير بالليلِ منهُ عُرامْ
وديرُ العذارى فضوحٌ لهنّ ... وعندَ اللصوصِ حديثُ تمامْ
1 / 16