وكانت رحاب تنتقل إلى السنة الثالثة بكلية الآداب حين تخرج تامر في كلية الحقوق بتقدير يمكنه من الانتظام بسلك النيابة ليصبح مثل جده وحميه، ولكن كليهما نصح له أن يعمل بالمحاماة، واختارا له مكتب صديقهما المحامي الشهير رشدي فاضل، ومالت نفسه إلى هذا الرأي.
وفاتح تامر أباه وأمه بمشهد: بابا أترى بأسا أن أتزوج؟ - ولكن العروس أمامها سنتان حتى تتخرج مثلك. - إننا متفقان أنها لن تعمل بالشهادة. - أخشى أن يتوجس والداها أن يشغلها الزواج عن المذاكرة. - إذا فعلا يكون الصواب قد جانبهما؛ فهما أدرى الناس بابنتهما ويعلمان مقدار حرصها على الحصول على هذه الشهادة. - والله ما أحب إلي.
وقالت صالحة: والله تامر محق؛ فيم التأخير؟ سأكلم ثريا فورا.
وتم الزواج في فرح وقور فخم.
وحين تقدمت رحاب إلى امتحان الليسانس كانت حاملا في وجدي، وتعاقبت الأفراح على الزوجين وأهليهما بالنجاح والمولود في مواعيد متزامنة، وزادهم سعادة أن تامر افتتح مكتبه بعد أن أتم سنتي المران، وأصبح محاميا مستقلا تهيئ له مرافعاته في مكتب رشدي فاضل مستقبلا زاهرا في المحاماة.
الفصل السابع
في قرية الولجة يملك سعفان الأشهب ثلاثة أفدنة ليس يدري أي عفريت زين لعيدروس أن يستولي عليها، فاستدعى سعفان. - أريد أرضك. - أنا ليس لي إلا هذه الأفدنة الثلاثة أعيش عليها أنا وعيالي. - اشتر غيرها. - إنها أرض أبي وجدي، ثم سعادتك تعلم أن أحدا لا يبيع أرضه في الولجة. - اشتر في غير الولجة.
وأترك بلدي أيضا. - هذا أصلح لك. - إنما قل لي يا بك، أرضي معي منذ مات أبي ولم تفكر في شرائها. ما الذي أغراك بها الآن؟ - كانت بجانب أرض أخي مراد، وأنا اشتريت أرض مراد ، فأصبحت بجانب أرضي. - وشراؤك لأرض أخيك يأتي على دماغي أنا. - أنا لا أناقش. - أعرف. - ففيم كلامك؟ - أقول آه. أليس من حقي أن أقول آه؟ - قل ما شئت. - الأرض عزيزة. - هل أعز من حياتك؟ - هل وصل الأمر إلى الحياة؟ - ألا تعرف ذلك؟ - ما دام الأمر كذلك، فاترك لي فرصة أشاور إخوتي، ونبحث معا عن قطعة أرض إن لم يكن في الولجة ففيما جاورها. - أنا لا أحب أن أصدر أمرا ويتأخر تنفيذه إنما لا بأس خذ وقتك.
في اليوم التالي لهذا الحديث كان أبو سريع في زيارة لعيدروس، فحين بلغ منزله أجلسه الخادم مبروك بغرفة الجلوس، وكان لها باب آخر يفضي إلى غرفة من غرفات المنزل. وجلس أبو سريع ينتظر عيدروس، فإذا بصوته يأتي إليه من الحجرة المجاورة، وكان مسموعا جليا؛ مما يدل على أن مبروك لم يخبره بمجيء أبي سريع. قال عيدروس: الولد سعفان الأشهب كان عندي أمس وابن الكلب ماطل في بيع أرضه.
وعلا صوت عرفه أبو سريع، إنه صوت شمندي رئيس عصابة عيدروس. - وما له، هل هو أحسن من الذين قتلناهم؟
Página desconocida