وأخيرا، انثنيت أقول له: و... م ... ما مصيرها؟
فعاجل فمي بقبلة وقال: أواه لها! إنني أحبها أكثر من الحياة، وأما أنت فأحبك أكثر من الشرف، تزوجيني يا غالية قبل أن أهطع إلى ساحة القتال. فما كان مني أنا الضعيفة المحزونة إلا أن استسلمت وتقبلت واستكنت إلى الاحتواءة في ذراعيه.
وتم الزواج بيننا في يومنا، وتلاه أسبوعان انفرطا في الفردوس، وانصرما في جنة الأرض، وما لبث أن دعي إلى الحومة. وفي ليلة الوداع مضى يقول لي: إنني أحبك، وأحبها كذلك، لقد حنثت بموثقي لها، وعصيت داعي الوفاء للحب، ولبيت فيك داعي الشرف، فاضرعي إلى الله أن يلهمنا من أمرنا هذا رشدا.
وانطلق إلى الساحة، وأجاب الله صلاتي فقضى الذي أحببناه معا ولم ألقه منذ ساعة الوداع الخير.
وتحفزت في جثوتها، ورفعت رأسها رفعة الجلال والكبرياء وقالت: إنني أسألك الصفح عنه ولا أسأل عن ذنبي صفحا ...
ووقفت في مكاني لا أبغي حركا، راجفة الأوصال، عصية المنطق.
وخطفت عيناها ببريق باهر، واسترسلت تقول: أنت في عيش ناضر في بلدك، وحال راغدة بين قومك، أما نحن هنا ففي فقر شديد وأسى بالغ، وأنت موفورة الصحة مكتملة العافية، أما أنا فمريضة بعلة القلب من أثر صدمة أصابتني حتى أضحيت لا أستطيع القيام على تربية ولدي، ونحن نقتر على أنفسنا ونحتمل الخصاصة، وأنت الناعمة الرافلة تنفقين من المال غير باخلة على النفس ولا مقترة، ولكن لا تحسبي في فؤادي حقدا عليك، ولا أنا عليك نافسة، وإنما كل الذي أرجو إليك هو أن تصفحي عنه وتغفري له ما فرط من ذنبه.
وامتدت يداها المتعبتان من طول الكدح في البيت والعمل للرزق، في توسل وضراعة، ثم نهضت فمشت في رفق منصرفة.
ووقفت جامدة الحركات بضع لحظات، ثم مشيت منصرفة في وجهي ورحت أنظر إلى هذين المخلوقين الحزينين التعسين اللذين تقدماني على الطريق، بعين عمياء يغشاها سحاب الدموع وغاشية الهم والأسى.
أواه ...
Página desconocida