ووقفت أنظم صفوف الكتب والأوراق فسقطت إحدى جدائلي على ذراعي العارية، فاستقرت عينه عليها لا تبرحها، ولم يكن أحد غير زوجي قد رآني وأنا بادية في غلالة شفافة كتلك، ولم أكن أحسب أنها تثير ألباب الرجال. ولكني عندما أدركت مبلغ التأثير الذي أحدثه مشهدي مترائية بذلك الثوب الرقيق الفضفاض، شعرت بشيء من فرح الأطفال، فاصطبغ وجهي بلون الأرجوان، ولم أتمالك نفسي من أن أبتسم ابتسامة مفعمة بالرقة واللطف، وإن لم أخرج بها عن حدود الاحتشام.
وانثنيت أقول للغلام: أنا تاركتك لتشتغل، فإن أردت شيئا فتعال اسألنيه فإني جالسة في حجرة الاستقبال.
ومضيت من الحجرة أرفل في ذلك الثوب النضير على عينيه، وكان أولى بي أن أذهب فأنضوه عني، وأستعيض عنه ثوبا من الثياب التي أبتذلها في البيت، ولكني في الحق لم أفعل، وإنما عدت إلى حجرة الاستقبال فوقفت حيال المرآة أشد من حواشيه وأهذب من ثنياته وتلافيفه وأهز فروعي حول كتفي، ثم رحت أستلقي على المتكأ.
بالله! منذ كنت صبية غرا لم يقع لي مثل هذا الإحساس الغريب الذي جال بنفسي، وغمر لبي في تلك الساعة، ذلك إحساس متدفق فياض طاغي المد، معتلج الأواذي، بل إحساس لا يكون إلا في أقاصيص السحرة وبنات الجن ، إحساس تكتمه المرأة عن كل مخلوق ولا تصفه لأعز صاحب وصديق.
وجلست أنصت إلى دقات مفاتيح الآلة الكاتبة، وأتمثل عيني ذلك الغلام الوسيم المقسم، فخلت كأني أتعاطي أفاويق عقار مسكر مخدر كنت إليه مشوقة لاهفة.
وفيما أنا مسترسلة مع ذلك الحلم اللذيذ الساحر، إذ سمعت صوتا يقول: لا تتحركي ... فإذا لهذا الصوت رنة صوت العابد القانت لا أحسب امرأة تحلم بمثله من حبيب جليل الحب مكتمل الولاء.
وكنت أعلم أنه ينبغي لي أن أرد الغلام عما هو آخذ فيه، ولكني لم أكن في ماضي الحياة قد سمعت من فم رجل من أهل الدنيا صوتا حلوا عذب الأغاريد! ...
ووقف الغلام يتأمل شعري الفاحم المرسل حولي، وينظر مليا إلى ثوبي المهفهف الشفاف لا يكاد يستر بدني.
قال: أتأذنين لي أن أجيء وأكثر المجيء؟ ...
قلت: بلا ريب ...
Página desconocida