Alemania Nazi: Un estudio en la historia contemporánea de Europa (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Géneros
وعلى ذلك فقد اصطنع النازيون الاعتدال في أول الأمر مع مخالفيهم من المواطنين الذين لم ينضووا تحت لواء الوطنية الاشتراكية، وأفاد النازيون من هذا الاعتدال المصطنع؛ لأنهم كما - سبق القول - لم يكونوا بالأغلبية التي تستطيع الانفراد بالحكم عند وصولها إليه، كما استطاعوا عن طريقه تسخير جميع الأيدي العاملة والانتفاع بموارد الثروة التي كان يملكها رجال الصناعة والمال، ولم يكن هؤلاء قد أدركوا بعد جسامة الخطر الذي يتهددهم، وكان غرض النازيين من تسخير هذه القوى إعداد آلة الحرب اللازمة لتنفيذ برنامجهم.
وفي سبيل تهيئة وسائل الحرب استرشد النازيون في إدارة شئون الدولة بمبدأ الاكتفاء الذاتي أو الأوتاركية الاقتصادية
Economic Autarchy
حتى تستطيع الدولة في وقت الحرب مقاومة الحصر البحري إذا استلزمت ذلك خطة الدفاع؛ وحتى تجد من المواد الداخلية المستمدة من إنتاج الأرض ما يكفيها إذا اتخذت خطة الهجوم. أضف إلى هذا أن الأوتاركية الاقتصادية من شأنها إيجاد «الموازنة» بين العوامل الداخلة في تكوين الدولة الاقتصادي، فلا تصبح الدولة صناعية صرفة أو زراعية صرفة. وقد عارض النازيون في أن تظل دولة الريخ صناعية صرفة؛ لأن النازية نظرت دائما إلى الزراعة كعمل حيوي لتربية العقل السليم في الجسم السليم، وهي تربية ضرورية لإنشاء ذلك الجنس وتلك الطبقة من السادة الجرمان الذين كان من حقهم ممارسة شئون الحكم والسيطرة على العالم دائما.
على أنه مما تجدر ملاحظته أن العمل بمبدأ الاكتفاء الذاتي يحرم على النازيين إنشاء الصلات التجارية مع العالم الخارجي؛ وبخاصة لأنهم كانوا يخشون أن تؤدي هذه الصلات إلى ضياع ذلك الخلق الجرماني «الرفيع» الذي يميزهم من غيرهم كأمة. ومع ذلك أجاز النازيون التجارة، ومع العالم الخارجي في حالات معينة، أهمها: أن تكون هذه التجارة وسيلة يتمكن النازيون بفضلها من تجهيز أداة الحرب وإعدادها بكل سرعة، ثم تحقيق «الاكتفاء الذاتي» نفسه، وذلك إما بافتتاح الأقاليم الغنية بالموارد الطبيعية التي كانت تنقصهم، وإما بتهيئة الوسائل لإنتاج ما يمكن أن يستعيضوا به عن تلك الأشياء التي لم توجد في داخل دولتهم، وهذا فضلا عن جلب الكماليات التي قد يطلبها الشعب لمجرد الترفيه عن نفسه كالبن مثلا. ثم أجاز النازيون الاتجار مع الأمم الأخرى إذا نجم من ذلك ربح لهم أو توقعوا إصابة هدف سياسي معين من وراء هذه التجارة.
وكان من قواعد التنظيم الداخلي كذلك أن توجد الدولة مجتمعا من أفراد متجانسين في تركيبهم الجثماني والعقلي، وتعمل للمحافظة على كيانه وضمان رقيه؛ وذلك حتى تحقق غرضا أسمى بفضل إشرافها على التربية والتعليم؛ هو تنشئة أجيال جديدة من الشباب القادرين على حمل السلاح وبذل النفس في سبيل تأدية الرسالة الجرمانية على خير وجوهها، وحرص النازيون لذلك على أن ينشئوا شبابهم تنشئة صارمة؛ حتى يصبحوا قساة غلاظ الأكباد لا يعرفون شفقة ولا رحمة، وأصحاب عجرفة وعنجهية وكبرياء لا تلين قلوبهم الصلدة لعاطفة حب أو صداقة، بل إن النازيين كانوا يشترطون الالتحام في المعارك الدموية كآخر مرحلة من مراحل التعليم والتربية لتنشئة أولئك الرجال الأفذاذ
Supermen
الذين تتألف منهم طبقة الأسياد المعدة للحكم والسيطرة. وكانت الأعمال اليدوية الوضيعة من نصيب تلك الشعوب المسخرة المغلوبة على أمرها.
ومع أنه كان من واجب الدولة - على حد قول النازيين - المحافظة على كيان المجتمع وضمان رقيه، فقد كان من رأيهم أن على الدولة أن تضحي بهذا الواجب المزدوج إذا دعت الحاجة الملحة إلى انصرافها بدلا من تحقيق هذه الغابات إلى امتلاك تلك الأراضي التي كان من حق الجنس الجرماني أن يمتلكها في سبيل الوصول إلى السيطرة العالمية. •••
هذه إذن كانت أهم القواعد التي بنى عليها النازيون صرح النظام الجديد في أوروبا؛ ومن الواضح أنهم كانوا يعتبرون الجنس الجرماني أرقى أجناس البشر إطلاقا وأنقاها دما، ومن حقه بفضل هذه الرفعة ونقاوة الدم أن يتمتع بالسيطرة على العالم، ولا بد للوصول إلى هذه السيطرة من تسخير سواد الأمة الألمانية لخدمة طبقة السادة الممتازين أصحاب الحكم في الدولة، ثم تسخير سواد الشعوب الأوروبية وشعوب العالم جميعها لخدمة الجنس الجرماني. وكانت دعامة هذا النظام الجديد ومساك حياته «الزعامة المسئولة»، أي تلك الزعامة التي كانت مسئولة في داخل الريخ عن الشعب الألماني، وفي خارج الريخ عن بقية شعوب العالم في النهاية، وهي زعامة تقوم على أساس الطاعة العمياء لشخص الزعيم في جميع التنظيمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الريخ وفي أوروبا وفي العالم. وأما رسالة الجنس الجرماني فكانت لا تقتصر على تقويض أركان الحضارة الرومانية المسيحية في أوروبا، بل تريد أن تفرض على الإنسانية نوعا جديدا من الحضارة التي عرفوها باسم حضارة الصليب المعقوف أو حضارة الأرض والدم، الأرض التي تخلق العقول السليمة في الأجسام السليمة، والدم الذي يخول الجنس الجرماني حق السيطرة العالمية. •••
Página desconocida