49

ومن هنا خطر للملوك خاطر الخلاص من هذا النفوذ، فتكلم أمنحتب الثالث عن آمون في بعض أوامره وتسجيلاته باسم آخر: هو اسم آتون.

وساعد على هذا التبديل الطفيف أن صفات الإله في أذهان المصريين كانت أقرب إلى صفاته عند كهان منف وعين شمس، وأن مسالك الكهان الدنيويين من شيعة آمون لم تكن وفاق الآداب والعادات التي استلزمها ارتقاء المصريين في فهم كمال الإله.

فلما تولى الملك أمنحتب الرابع - أو إخناتون كما تسمى بعد ذلك - كان التمهيد للعبادة الجديدة قد بلغ مداه، وكان اتساع الأفق في النظر إلى الدنيا والنظر إلى صفات خالقها قد وسع له المجال للابتكار والتجديد، وأعان عبقريته على التدعيم بعد التمهيد. •••

وقد حفظت لنا النقوش والتماثيل والألواح وأوراق البردي كثيرا من أخبار إخناتون وأحواله وملامحه وسيرته في مملكته وفي بيته، وتكفي لمحات عابرة إلى شكل جمجمته وتركيب بنيته وأساليب تفكيره ومناحي عباراته للعلم بأنه كان عبقريا من أولئك العباقرة الملهمين، الذين يحدثنا النفسانيون أنهم يتلقون العبقرية على حساب أبدانهم وهناءتهم في حياتهم ، كما نقول في تعبير هذه الأيام.

وكان الفتى إخناتون حدثا ناشئا عند ولاية الملك، معروفا بالعكوف على التأمل والتفكير والخلوة بنفسه في صلواته ومناجاته، وكان لطيف الحس حالم النفس منصرفا عن طلب البأس والقوة ومتابعة الفتوح والغزوات التي توطد بها ملك آبائه وأجداده فطمع فيه كهنة آمون، وخيل إليهم أنهم مالكون زمام الأمر كله على يديه.

غير أن الفتى الحالم كان عبقريا يحب الابتكار والتفقه في العبادة بالعقل والبداهة المستقلة، ولم يكن تقليديا يلقي بزمامه لمن يسيطر عليه.

وكان مع لطف حسه قوي النفس صعب المراس، فاستنكر دسائس الآمونيين وتهافتهم على المناصب والأموال.

فقمعهم قمعا شديدا ومحا اسم آمون من كل مكان حتى هياكل أبيه واسمه الذي يبدأ باسم آمون، وجهر بعبادة «آتون» دون سواه، وهجر العاصمة التي ساد فيها هذا الإله إلى عاصمة أخرى في أواسط الصعيد، وهبها لربه الواحد الأحد وسماها «أخت آتون».

وألغى جميع الأرباب وأعوانهم من الأرواح والجنة، وأولهم الرب القديم أوزيريس، فكان هذا من أسباب غلبته يومئذ، وأسباب التمرد عليه بعد حين.

ومن صلوات إخناتون تعرف صفات الله الذي دعا إلى عبادته دون سواه، فإذا هي أعلى الصفات التي ارتقى إليها فهم البشر قديما في إدراك كمال الإله.

Página desconocida