وما الزمان؟
إن الزمان هو هذا التجدد نفسه وليس بوجود مستقل عنه أو بظرف له يحتويه ويسبقه أو يليه.
وما المكان؟
ليس هنا مكان معزول عن الحوادث التي تقع فيه، ولكنه هو الصورة التي ندرك بها الامتداد.
وفيما عدا هذه السلسلة الواقعية من الحوادث المتجددة لا يشتمل الكون على وجود آخر غير وجود «الكليات الممكنة»، فإن الحادثة يمكن أن تقع على صور متعددة، ولكنها متى وقعت فهي صورة واحدة، فتلك الصور المتعددة هي الكليات الممكنة، وهذه الصورة الواحدة هي الحادثة الواقعية، غير أن الكليات الممكنة ليست لها صفة في الوجود إلا بما يتحقق من الواقع في عالم الحدوث.
وعند هويتهيد أن الحادثة التي تبدو لنا شيئا من الأشياء هي بنية عضوية كاملة التركيب، فالذرة نفسها بنية عضوية لأنها تختل وتفقد مشخصاتها أو «شخصيتها» إذا اختلف تركيبها، كما تختل بنية الحيوان إذا اختلف فيها تماسك الأعضاء.
وليس في الموجودات عقل وجسم منفصلان، وإنما العقل والجسم قطبان ملازمان لكل موجود، والترقي في التركيب هو الذي يرجح موجودا على موجود بصفات الحياة والإدراك.
وهذا الترقي هو تكوين بنية حية جديدة، فمليون ذرة من الهيدروجين هي مليون بنية حية متشابهة ولا زيادة، ولكن إذا اجتمعت مليون ذرة مختلفة وكملت باجتماعها بنية جديدة فهنا يظهر الرجحان في بنية على بنية، وهنا تنشأ في العالم حياة تساوي جملة أجزائها وزيادة، على خلاف المفهوم في الحساب، وهذه الزيادة هي تطور الفكر والحياة.
فليس الكل مجموع أجزائه في كيمياء الحياة، ذلك في الحساب صحيح، أما في كيمياء الحياة فكلما اختلفت الأجزاء وتكاملت بها تركيبة جديدة ظهرت فيها زيادة على تلك الأجزاء لم تكن ملحوظة فيها وهي متفرقة، ولكنه ظهور بعد كمون، وليس بوجود بعد عدم، ولا بارتفاع على غير أساس.
ويكمن في الحوادث مستقبلها كما يكمن فيها ماضيها؛ لأن المستقبل لن يخرج عن تجدد الحادثة بعد التوفيق بينها وبين الكليات الممكنة، فإذا اتفق الحادث الواقع و«الكلي» الممكن فتلك طريق المستقبل التي لا يعدوها.
Página desconocida