Alá, el Universo y el Hombre: Perspectivas en la Historia de las Ideas Religiosas
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Géneros
هناك تاوية فلسفية أسسها الحكيم لاو-تسو الذي عاش خلال النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد، وعاصر كونفوشيوس الأصغر منه سنا، وقد عاشت هذه التاوية بضعة قرون قبل أن تنشأ عنها التاوية الطقسية التي اتخذت سمات الديانة. وتشترك التاوية الفلسفية مع الكونفوشية في كونها فلسفة حياة، وذلك من خلال التأكيد على ضرورة أن يحيا الإنسان حياة طبيعية خلال الفترة المقدرة له في هذه الدنيا، دون خوف من الموت أو تعلق بالحياة؛ ذلك أن الفرص في البقاء وطول العمر تكون أفضل عندما لا تؤرقنا فكرة الموت ولا يتملكنا هاجس البقاء، وإنما نسبح مع تيار الطبيعة الذي دعاه لاو-تسو ب «التاو». وهذا التاو ليس شخصية إلهية، ولكنه القاع الثابت الذي ينشأ عنه كل متغير ومتحرك، وهو أقرب إلى مفهوم قوانين الطبيعة في العلم الحديث. ولاو-تسو هنا يتفق مع الفيلسوف الهولندي اليهودي اسبينوزا الذي جاء بعده بألفي سنة، وطابق بين الله والقوانين الطبيعية في كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة. (س):
وماذا عن البوذية؟ (ج):
البوذية ديانة هندية قامت على تعاليم سيدهارتا غوتاما الملقب بالبوذا، والذي ظهر في زمن قريب نسبيا من ظهور كل من كونفوشيوس ولاو-تسو. فإذا أضفت إلى هؤلاء كلا من زرادشت الإيراني وسقراط اليوناني، لحصلنا على فترة خصيبة من فترات الإبداع الديني والفلسفي لا مثيل لها في تاريخ الحضارة.
لقد تأخر وصول البوذية إلى الصين لأنها بدت غريبة على الطبع والموروث الصيني؛ حيث لا يمكن التوفيق بين الرهبانية البوذية التي تنكر الحياة، وما يتميز به الصينيون من تفاؤل وحب للحياة وإخلاص للأسرة. إلا أن ظروفا قاسية حلت بالصينيين، ومنها تسلل القبائل البدوية التي كانت محجوزة خلف سور الصين إلى الداخل، جعلت الكثيرين يتحولون عن المذهب الكونفوشي التفاؤلي، بعد أن تملكهم ازدراء غير صيني للحياة، ولكن البوذية لم تكسف الكونفوشية ولا التاوية، وإنما فازت بمكان إلى جوارهما، وصارت المذاهب الثلاثة تكمل بعضها بعضا، بحيث يمكن للمرء أن يكون كونفوشيا ينشد الصلاح الداخلي وحياة الأسرة، وتاويا منسجما مع صيرورة الطبيعة، وبوذيا ينشد الأمان بعد الموت. (س):
نفهم من ذلك بأن التعصب الديني بعيد عن الطبع الصيني؟ (ج):
هذا صحيح؛ فقد كان بإمكان أي مذهب أن يتسلل إلى الصين دون مقاومة رسمية أو شعبية، بسبب التسامح الذي تتصف به الثقافة الصينية؛ فبعد البوذية جاء الإسلام الذي فاز بمكان له أيضا بين مذاهب الصين، ولم يقاوم انتشاره أحد. (س):
هل تصارعت هاتان المنظومتان المعرفيتان ، أعني الفلسفة والدين؟ ومتى؟ وماذا عن مآل الصراع؟ (ج):
التفكير الفلسفي المتجرد من الدين هو شأن حديث في تاريخ الحضارة، ولا يمكننا متابعته إلى ما قبل القرن الخامس قبل الميلاد بكثير في موطنيه الرئيسيين الصين واليونان، عندما كانت بقية الثقافات الكبرى لا تزال غارقة في الفكر الديني الأسطوري. أما عن الصراع بين المنظومتين فقد كانت اليونان مسرحه الرئيسي لا الصين؛ وذلك لأسباب شرحتها في إجاباتي السابقة. وقد عبرت الفلسفة اليونانية عن هذا الصراع بأنه مواجهة بين الميتوس
Mythos ؛ أي الأسطورة والفكر الأسطوري، وبين اللوغوس
Logos
Página desconocida