قالوا: وكان من أهل (اليمن ) من خرج (الشام) وهم من (حمير) فتداول الملك منهم فيه سبعة وثلاثون ملكا، إلى أن كان آخرهم جبلة بن الأيهم، الذي تنصر على عهد عمر؛ لأنه كان قد أقبل إلى عمر وأسلم، ثم أنه لطم رجلا فأراد عمر الاقتصاص منه فتنصر، ولحق بهرقل صاحب (القسطنطينية)، فأقطعه هرقل الأموال والضياع.
روي أن عمر بعث إلى هرقل رسولا يدعوه إلى الإسلام، فقال له هرقل: هل لقيت ابن عمك الذي عندنا يعني جبلة.
قال: ما لقيته.
قال: القه ثم ائتني أعطك جوابا.
قال الرسول: فذهبت إلى دار جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجاب [والبهجة](1) وكثرة الجمع مثل ما على باب هرقل، فلم أزل أتلطف في الأذن حتى أذن لي فدخلت عليه، فوجدته أصهب اللحية ذا سبال، وعهدي به أسود اللحية، فإذا هو قد دعا بسجالة الذهب فذرها على لحيته، حتى صار أصهب وهو قاعد على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسود من ذهب.
وروي أنه ندم على تنصره وقال في ذلك:
تنصرت الأشراف من أجل لطمة .... وما كان فيها لوصبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوه .... فبعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني .... رجعت إلى القول الذي قاله عمر
الأبيات.
ولم يسلم لأنه لم يرض بفراق جنته التي كان فيها، ولأجل نخوه الكبر الذي ذكر، فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، والشقا بعد التقى.
وأما ذو رعين: فهو ذو رعين الأصغر من ذرية ذي رعين الأكبر.
قالوا: ولما فرغ حسان بن أسعد الكامل من إهلاك جديس باليمامة كما سيأتي إنشاء الله تعالى نهض يريد العراق، فصعب ذلك على حمير وعلموا أنه لا ينتهي في غزوة حتى يبلغ حيث بلغ أبوه وجده (الصين) وبلاد (الروم) وغيرها، فشق ذلك عليهم، فاختلفوا إلى أخيه عمرو بن أسعد الكامل، فسألوه أن يقتل أخاه إن لم يرجع من سفره ويملكوه عليهم ففعل، وقد كان قال حسان بعد قتل جديس:
من كان يأمل أن يأوب .... فلست من(2) سفري بآيب
Página 106