8
أما سفر أعمال الرسل فيورد عن سمعان ماجوس ما يلي: «فنزل فيليبس الرسول مدينة سامرية وجعل يبشر بالمسيح ... وكان في المدينة قبل ذلك رجل اسمه سمعان يفتري السحر ويفتن أهل السامرة زاعما أنه رجل عظيم. فكانوا يلزمونه من صغيرهم إلى كبيرهم ويقولون: هذا قوة الله العظيمة. وإنما لزموه لأنه أخذ يفتنهم بأساليب سحره من زمن طويل. فلما آمنوا بكلام فيليبس الذي بشرهم بملكوت الله واسم يسوع، اعتمدوا رجالا ونساء وآمن سمعان أيضا» (أعمال، 8: 4-12). ولكن سفر أعمال بطرس المنحول يعطينا صورة أخرى؛ حيث نجد سمعان ماجوس قد سبق الرسول بطرس إلى روما وراح يبشر بمعتقده هناك مدعيا أنه ابن الله ومجترحا المعجزات التي استمالت الناس، وكان بطرس من ناحيته يشفي المرضى والعميان والمقعدين بقوة الروح القدس. ثم اجتمع الاثنان للمنافسة بحضور الإمبراطور نيرون وحشد من أهل روما، فقام سمعان بصعود برج عال وطار فوق أحياء المدينة، ولكن بطرس صاح بصوت عال: أناشدكم يا ملائكة الشيطان الذين تحملونه أن تفلتوه . وعلى الفور سقط سمعان على الأرض وتحطم جسده.
9
تعبر أخبار العهد الجديد عن المنظور الذي رأى من خلاله الإنجيليون تعاليم يوحنا المعمدان باعتباره معلما يهوديا اختط لنفسه نهجا خاصا لا يتعارض جذريا مع العقيدة اليهودية. أما تعاليم الطائفة المندائية فيبدو أنها قد حفظت لنا الكثير من جوانب فكر يوحنا المعمدان باعتباره معلما غنوصيا ينتمي إلى المدرسة الغنوصية السورية التي ضاعت معالمها من خلال ما نقله لنا أعداؤها المسيحيون، ومن خلال مؤلفي أسفار العهد الجديد الرسمية منها والمنحولة، الذين لم يكن بين أيديهم، على ما يبدو، معلومات كافية عن شخصية المعمدان وطبيعة رسالته.
بعد هذا المدخل عن يوحنا المعمدان وتاريخ طقس المعمودية، ننتقل إلى خبر اعتماد يسوع كما ورد في الأناجيل ومدلولاته. (2) المعمودية كبوابة للاستنارة
إذا نحينا قصة الميلاد التي وردت في إنجيلي متى ولوقا (ولم ترد في إنجيلي مرقس ويوحنا) باعتبارها مقدمة مقحمة على سيرة يسوع اقتضتها طبيعة التغييرات اللاهوتية التي حصلت خلال فترة امتدت قرابة نصف قرن بين حادثة الصلب وظهور الأناجيل، فإن سيرة يسوع تبدأ من اعتماده في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان، وهو العمل العلني الأول ليسوع. فعندما رأى يسوع أن الكل يقصد يوحنا جاء من الجليل هو أيضا للاعتماد على يديه. وهنا يروي لنا الإنجيليون أربع قصص تختلف في التفاصيل أحيانا وتتعارض في أحيان أخرى.
ونبدأ كالعادة بإنجيل مرقس، وهو الأقدم وربما الأقرب إلى الواقعة التاريخية: «وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن. وللوقت وهو صاعد من الماء رأي السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلا عليه، وكان صوت من السماوات: أنت ابني الحبيب الذي به سررت.» (مرقس، 1: 9-10)
نلاحظ من هذا الخبر المقتضب الخالي من التفاصيل والخيال الأدبي، أن يسوع قصد يوحنا مثال بقية الناس، وربما مر بين المنتظرين دورهم للعماد دون أن يلحظه يوحنا، بدليل أن اللقاء بين الطرفين كان موضوعيا ولم يجر بينهما أي حديث متبادل.
ونقرأ في إنجيل متى: «حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه، ولكن يوحنا منعه قائلا: أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي؟ فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن؛ لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر. حينئذ سمح له. فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه، وصوت من السماوات قائلا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى، 3: 13-17).
في قصة متى هذه يتحول اللقاء الموضوعي كما وصفه مرقس إلى لقاء درامي يتخلله حوار مفعم بالمعنى. فلقد أدرك متى المأزق اللاهوتي لقصة اعتماد يسوع على يد يوحنا، وهو مأزق ذو شقين؛ الشق الأول يتعلق بمضمون طقس المعمودية كما مارسه يوحنا وهو مغفرة الخطايا استعدادا لحلول ملكوت السماء، وهذا المضمون يعني أن يسوع كان كغيره من البشر خاطئا في الجسد ويرنو إلى الغفران. أما الشق الثاني فيتعلق بالمرتبة النسبية لكل من المعمد ومتلقي العماد؛ حيث يتخذ المعمد المرتبة الأعلى من الناحية الروحية ومتلقي العماد المرتبة الدنيا، ويكون يوحنا معلما ويسوع تلميذا. ولكي يتلافى متى هذا المأزق اللاهوتي المزدوج، فقد جعل المعمدان يدرك لفوره أنه أمام الشخص الذي كان يقول عنه «يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا لأن أنحني وأحل سيور حذائه» (مرقس، 1: 7-8). ولهذا فقد أحجم عن تعميده قائلا: «أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي؟» ثم نزل عند رغبته بعد أن أصر يسوع على إتمام المعمودية على يديه.
Página desconocida