المقاييس والقياسات وأصناف تلك الأمور العامة التي يسوق صنف صنف منها إلى صنف صنف من انقيادات الذهن تسمى أصناف المقاييس وأنواع المقاييس. وما كان من هذه الأصناف يسوق الذهن إلى الانقياد الشعري فهي المقاييس الشعرية، ويضاف إليها الأمور التي بها تلتئم وتنفذ هذه المقاييس. وما كان منها يسوق الذهن إلى الانقياد الخطبي فهي المقاييس الخطبية، ويضاف إليها الأمور التي بها تلتئم وتنفيذ هذه المقاييس. وما كان منها يسوق الذهن إلى انقيادات المغالطات الواردة عليه فهي المقاييس المغالطية، ويضاف إليها الأمور التي بها تلتئم وتنفيذ هذه المقاييس - مثل الاحتيالات التي يحتال بها على المجيب حتى يلتبس عليه موضع المغالطة، وما ينبغي للمجيب أن يستعمل في تلقي ما يرد عليه من المغالطات وإحراز اتقاده عن أن يظن به أنه باطل أو ينخدع بمغالطة. وما كان منها يسوق الذهن إلى الانقياد الجدلي فهي المقاييس الجدلية، ويضاف إليها الأمور التي بها تلتئم وتنفذ هذه المقاييس، وهي الاحتيالات التي يحتال بها على المجيب حتى يلتبس عليه المقصود معاندته من اعتقاده فلا يتحرز، والحيل التي يستعملها المجيب في تلقي ما يرد عليه من السائل فيتحرز بها ويمنع السائل عن تنفيذ مقاييسه. والمقاييس التي تسوق الذهن إلى الانقياد لما هو حق يقين تسمى البراهين والمقاييس اليقينية، ويضاف إليها الأمور التي بها تلتئم البراهين والأمور التي يسهل على الذهن السبيل إلى الوقوف على البراهين والتي بها يستعين الإنسان من خارج على الوصول إلى الحق. والمقصود الأعظم من صناعة المنطق هو الوقوف على البراهين. وسائر أصناف المقاييس إذا عرفت وتميزت عند الإنسان عن البراهين وقف بتلك على ما ينبغي أن يستعمله إذا قصد الاعتقاد الحق، وما ينبغي أن يتجنبه.
وبالجملة فإنه يتبين أن قوة الذهن التي حددناها في الكتاب الذي قبل هذا إنما تحصل بالوقوف على هذه الأصناف التي عددناها ها هنا.
56 -
Página 23