Alf Layla Wa Layla en la Literatura Mundial y un Estudio en Literatura Comparada
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Géneros
وهذه أيضا قصة أسطورية خلعت عليها المعالجة الموسيقية مسحة جرمانية تجعل من الصعب التوصل إلى أصولها ومصادرها، ويصعب معها التحقق من الآثار الشرقية والعربية فيها. ومن الغريب أن أصولها التي يسلم بها النقاد اليوم هي أصول كلتية أيرلندية قديمة، بينما أول صورها المكتوبة هي بالفرنسية الأولى، ورغم ذلك يعتقد الكثيرون أن أصلها جرماني، بسبب الأوبرا الرائعة التي وضعها لها فاجنر العظيم.
وقصة تريستان - كما تذكر «لاساتير» - هي إحدى الرومانسات المتصلة بقصص الملك آرثر، وهي مثال طيب للموضوعات الكلتية التي جرى تطويرها في فرنسا وصوغها في رومانسة آرثرية. ومع ذلك، ففي بعض مراحل تطور القصة، دخلتها عدة تيمات شرقية انتشرت عن طريق الصلات بين جنوبي فرنسا وإسبانيا. وكانت قصة تريستان معروفة جيدا للتروبادور البروفنساليين والقطلونيين، وهم يذكرونه في قصائدهم أكثر من أي شخصية آرثرية أخرى. وتقول «هيلين نيوستيد» في كتابها عن أصول أسطورة تريستان وتطورها: «إن الأسطورة المركبة التي وصلت إلى واضعي الرومانسات في أواخر القرن الثاني عشر قد تضمنت، لا الأعراف الكلتية فحسب، بل وأيضا عناصر من مصادر متنوعة كالقصص الفولكلوري، والرومانسات العربية ، والقصص الشرقية المتعلقة بالخدع والاحتيال.»
وتدور الحبكة القصصية الأساسية لرومانسة تريستان وإيزولت - والتي اتخذت العديد من الصور والصياغات المختلفة - حول مولد تريستان وصباه، ثم تغلبه في الفروسية على فارس أيرلندي هو عم إيزولت ويدعى مورولت. ويعود تريستان إلى أيرلندا بحثا عن عروس لعمه الملك مارك، وهي إيزولت التي تدرك أن تريستان هو الذي قتل عمها. ويصطحب تريستان إيزولت إلى كورنوول، حيث يشربان في السفينة عن طريق الخطأ شراب الحب السحري الذي كان معدا لتشربه إيزولت مع عريسها الملك مارك. وهكذا تتزوج إيزولت الملك ولكن قلبها يظل معلقا بتريستان. وتتقلب الظروف بالحبيبين بين فراق واتصال ووعيد بالعقاب. ويتم نفي تريستان بعض الوقت، فيتزوج من إمرأة أخرى تدعى إيزولت أيضا. وينتهي به الأمر إلى إشرافه على الموت إما مسموما أو عن طريق إصابته بجراح مميتة، فيبعث في طلب الملكة، ويطلب عند عودة السفينة أن ترفع علما أبيض إذا كانت إيزولت عليها، وعلما أسود في حالة عدم حضور حبيبته. وتعلم زوجته بالموضوع، فتخدعه بقولها إن السفينة ترفع علما أسود، فيموت تريستان بحسرته. وحين تصل إيزولت وتجد أن حبيبها قد مات، يطويها الموت هي أيضا.
وثمة مواقف ومشاهد في الرومانسة ذات مسحة شرقية صرف، يتبدى بعضها في حكايات ألف ليلة وليلة، مثل اللقاء الذي تم بين تريستان وإيزولت تحت إحدى الأشجار، حين يشعران بوجود من يراقبهما، فيتعمدان الحديث في موضوعات بعيدة عن الحب حتى لا يشك الرقيب في وجود علاقة بينهما. وثمة مشهد شرقي آخر حين تقسم إيزولت أنه لم يطوقها أحد بيديه أبدا سوى زوجها والحاج الذي حملها من فوره إنقاذا لها؛ ولم يكن ذلك الحاج إلا تريستان متنكرا. كذلك لا يمكن إغفال التوازي بين زواج تريستان من امرأة تحمل نفس اسم إيزولت، وهو نفس ما حدث في القصة العربية القديمة قيس وليلى. ففي الرومانسة العربية، يجبر قيس على الانفصال عن ليلى، فيتزوج من أخرى تحمل الاسم نفسه رغم عدم حبه لها. وحين يمرض قيس، يرسل في طلب ليلى، ويموتان معا في لقائهما الأخير. والتشابه بين الحبكتين أكثر من أن يكون مصادفة، رغم الصيغة الغربية التي ألبست للقصة، والابتعاد فيها عن أي أثر إسلامي والاستعاضة عنه بصور أخرى تتفق مع الواقع الغربي في العصور الوسطى.
البدايات
(1) أنطوان جالان
في عام 1704م، أصدر الفرنسي «أنطوان جالان» أول حلقة في ترجمته الفرنسية لقصص من «ألف ليلة وليلة». وقد افتتح بذلك بداية سلسلة طويلة لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، من الطبعات والترجمات والحكايات المختلفة المتعددة التي تدور كلها حول ذلك الكتاب؛ الأسطورة! وتعتبر ترجمة جالان تلك، أول نسخة تخرج من المطبعة لألف ليلة وليلة، وبهذا تكون هذه الترجمة الفرنسية قد سبقت أي نسخ عربية في الطباعة؛ حيث إن أول نسخة تخرج مطبوعة باللغة العربية كانت في كلكتا بالهند عام 1835م.
ومنذ بدأت ترجمة جالان في الصدور، لم ينقطع إقبال القراء عليها واستمتاعهم بها وشغفهم بمطالعة قصصها التي ملأت حياتهم بالخيال والعجائب التي لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل. وأنطوان جالان (1646-1715م) هو أحد رواد الولع بالشرق وأدبه وآثاره؛ وقد ولد في بلدة «رولو» بمقاطعة «بيكاردي» الفرنسية، ودرس اللغات الكلاسيكية ومبادئ التركية، مما أهله لأن يلتحق عام 1670م بالعمل مع المركيز دي نوانتل الذي كان سفيرا لفرنسا لدى السلطان العثماني بالقسطنطينية. وهناك، درس جالان العربية والفارسية، وعمق معرفته بالتركية واليونانية، وقام برحلات عديدة في المنطقة، زار فيها سوريا وفلسطين واليونان، بهدف جمع الآثار والمقتنيات الشرقية - ومنها المخطوطات والعملات والتماثيل والميداليات - للسفير الفرنسي ثم للملك لويس الرابع عشر. وقد مكنه ذلك من أن يتم تعيينه بعد عودته إلى فرنسا أمينا للعملات والميداليات في المتحف الملكي. وقد عاود جالان زياراته وإقاماته لمدد طويلة لتركيا والأقطار العربية حتى عودته النهائية لفرنسا في أواخر عام 1688م، حين بدأ في العمل في ترجمات ومؤلفات عن الموضوعات الشرقية.
وفي عام 1692م، يعمل جالان مساعدا لبارتيليمي دي إيربوليه في مشروعه الضخم بوضع المؤلف الهام «المكتبة الشرقية، أو المعجم العام لكل ما يخص معرفة شعوب الشرق»، الذي كان أول محاولة لوضع دائرة معارف عن الإسلام وشعوبه، والذي يعتبره النقاد بداية الاستشراق الغربي بمعناه الأكاديمي. وقد واصل جالان العمل في الموسوعة بعد وفاة إيربوليه عام 1695م، ونشر العمل الكامل في 1797م. وقد ألهمت المادة التي وردت في هذا المعجم الكثير من الأعمال ذات الموضوعات العربية، ومنها رواية «الواثق» لوليام بكفورد، والعمل الشعري الضخم «ثعلبة» لروبرت سذي.
بيد أن شهرة جالان قد اعتمدت أساسا على ترجمته لألف ليلة وليلة. ففي التسعينيات من القرن السابع عشر، حصل جالان على مخطوطة عربية بها قصص رحلات السندباد البحري، فنشرها عام 1701م. وشجعه نجاح تلك القصص على البدء في ترجمة مخطوطات حصل عليها من بعض معارفه في سوريا تحتوي على قصص ألف ليلة وليلة، ويبلغ مجموعها أربعة مخطوطات، تعتبر الآن (باستثناء صفحة واحدة من مخطوط أقدم يرجع إلى القرن التاسع الميلادي) أقدم مخطوطات عثر عليها من الكتاب، ولا تزال ثلاثة مخطوطات منها في المكتبة القومية بباريس، بينما فقد المجلد الرابع من هذه المخطوطات الأولى.
Página desconocida