Alf Layla Wa Layla en la Literatura Mundial y un Estudio en Literatura Comparada
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Géneros
حكاية أردشير وحياة النفوس «... ثم ادخل إلى الباب السابع واطرقه فتخرج لك أمك، وتقول لك: مرحبا يا ابني، قدم حتى أسلم عليك. فقل لها: خليكي بعيدة عني واخلعي ثيابك. فتقول لك: يا ابني أنا أمك ولي عليك حق الرضاعة والتربية، كيف تعريني؟ فقل لها: إن لم تخلعي ثيابك قتلتك. وانظر جهة يمينك تجد سيفا معلقا في الحائط، فخذه واسحبه عليها، وقل لها اخلعي، تصير تخادعك وتتواضع إليك، فلا تشفق عليها، فكلما تخلع لك شيئا قل لها اخلعي الباقي. ولم تزل تهددها بالقتل حتى تخلع لك جميع ما عليها وتسقط. وحينئذ تكون قد حللت الرموز وأبطلت الأرصاد. وحين أبدى جودر الجزع من هذه الأهوال العظيمة قال له المغربي: يا جودر لا تخف، إنهم أشباح من غير أرواح ...»
حكاية جودر الصياد «... وكانت شهرزاد في هذه المدة قد خلفت من الملك ثلاثة أولاد ذكور. فلما فرغت من هذه الحكاية قامت على قدميها وقبلت الأرض بين يدي الملك وقالت له: يا ملك الزمان وفريد العصر والأوان، إني أنا جاريتك ولي ألف ليلة وليلة وأنا أحدثك بحديث السابقين ومواعظ المتقدمين، فهل لي في جنابك من طمع حتى أتمنى عليك أمنية؟ فقال لها الملك: تمني تعطي يا شهرزاد. فصاحت على الدادات والطواشية وقالت لهم: هاتوا أولادي! فجاءوا لها بهم مسرعين وهم ثلاثة أولاد ذكور: واحد منهم يمشي، وواحد يحبي، وواحد يرضع. فلما جاءوا بهم أخذتهم ووضعتهم قدام الملك وقبلت الأرض وقالت: يا ملك الزمان، هؤلاء أولادك وقد تمنيت عليك أن تعتقني من القتل إكراما لهؤلاء الأطفال، فإنك إن قتلتني يصر هؤلاء الأطفال من غير أم ولا يجدون من يحسن تربيتهم من النساء. وعند ذلك بكى الملك وضم أولاده إلى صدره وقال: يا شهرزاد، والله إني قد عفوت عنك من قبل مجيء هؤلاء الأولاد لكوني رأيتك عفيفة نقية حرة تقية، بارك الله فيك وفي أبيك وأمك وأصلك وفرعك، وأشهد الله على أني قد عفوت عنك من كل شيء يضرك. فقبلت يديه وقدميه وفرحت فرحا زائدا وقالت له: أطال الله عمرك وزادك هيبة ووقارا. وشاع السرور في سراية الملك حتى انتشر في المدينة، وكانت ليلة لا تعد من الأعمار ولونها أبيض من وجه النهار. وأصبح الملك مسرورا وبالخير مغمورا، فأرسل إلى جميع العسكر فحضروا وخلع على وزيره أبي شهرزاد خلعة سنية جليلة وقال له: سترك الله حيث زوجتني ابنتك الكريمة التي كانت سببا لتوبتي عن قتل بنات الناس، وقد رأيتها حرة نقية عفيفة زكية ورزقني الله منها بثلاثة أولاد ذكور، والحمد لله على هذه النعمة الجزيلة. ثم خلع على كامل الوزراء وأرباب الدولة، وأمر بزينة المدينة ثلاثين يوما ولم يكلف أحدا من أهل المدينة شيئا من ماله، بل كامل الكلفة والمصاريف من خزانة الملك. فزينوا المدينة زينة عظيمة لم يسبق مثلها، ودقت الطبول وزمرت الزمور، ولعبت كامل أرباب الملاعب، وأجزل لهم الملك العطايا والمواهب وتصدق على الفقراء والمساكين وعم بإكرامه سائر رعيته وأهل مملكته ...»
الخاتمة •••
لم يكن علم النفس، على النحو الذي ظهر على يد فرويد وأتباعه، معروفا أيام ألف ليلة وليلة بطبيعة الحال، بيد أن من يتأمل في القصة التي أخذنا منها الاقتباس الأول يعجب من التماثل الغريب بين الواقعة التي تتضمنها تلك الحكاية، وبين أصول التحليل والعلاج النفسيين على نحو ما نعرفه اليوم. فنحن هنا أمام عقدة نفسية مركبة، لم تنشأ عن واقعة حقيقية، بل عن حلم تراه إحدى الأميرات ابنة أحد الملوك فيصيبها بتلك العقدة النفسية الدفينة. ويتمثل الحلم في غدر طير ذكر بأنثاه، رغم أن الأنثى كان قد سبق لها أن أنقذت زوجها ذكر الطير من شرك أي فخ نصبه صائد للطيور. إلا أن الذكر لم يفعل مع أنثاه نفس الشيء حين وقعت هي في الفخ ذاته، وتركها تلقى مصيرها بالذبح على يد الصياد. وقد انعكست هذه العقدة النفسية في شكل كراهية الأميرة للرجال على وجه العموم، لما رأته من غدر وخسة وخيانة ذكر الطير الذي يرمز لديها للذكور جميعا.
وتأتي هذه العقدة في سياق حكاية نمطية من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث يسمع أردشير ابن ملك شيراز عن جمال حياة النفوس ابنة الملك عبد القادر ملك العراق، فيعقد العزم على وصالها، ويخرج من بلاده بحثا عنها والفوز بها - على السماع - (كما يحدث في غرام دون كيشوت بدولسينيا). ويصل أردشير بصحبة وزير أبيه إلى العراق، ويفتتح محلا للتجارة الثمينة، ويشتهر بجوده وكرمه. وتزوره مربية حياة النفوس فيبوح لها بسره، ويحملها رسائل حب وغرام إلى سيدتها الأميرة بنت الملك. وترد الأميرة على رسائله برسائل تطلب منه الكف عن حبها وتهدد بقتله إذا واصل مكاتبتها. وتبوح المربية العجوز لأردشير عن «العقدة النفسية» التي سببت كراهية الأميرة لصنف الرجال. فماذا يفعل أردشير؟ عندئذ يهب الوزير لمساعدته، ففكر في حيلة جعلته يقوم بما يمكن أن يقوم به أرقى المعالجين النفسيين المحدثين، ولكن على نحو فعلي وليس نظريا، دونما جلسات استماع أو علاج بالأدوية أو الصدمات الكهربائية!
فقد علم أردشير والوزير من المربية أن حياة النفوس لها بستان عظيم، تخرج للفرجة عليه والتنزه فيه مرة في السنة، فيحتال الوزير على حارس البستان العجوز الفقير ليسمح له برسم «جدارية» كاملة على جدران البستان المهملة. وأتى الوزير بالعمال والبنائين، وطلب منهم رسم الجدارية على شكل لوحات على الوجه التالي: صياد ينصب فخا للطيور وينثر فيه قمحا. تجتمع عليه الطيور فيقع ذكر طير في الشرك. تهرب جميع الطيور ومنهم أنثى الذكر. تعود الأنثى وتقرض حبال الشرك حتى تخلص ذكرها بينما الصياد نائم. يصحو الصياد وينصب الشرك مرة أخرى وبه القمح. تنشبك أنثى الطير في الفخ ويطير عنها الطيور ومنهم ذكرها. حين يطير الذكر يلتقطه نسر جارح ويلتهمه. لهذا لم يعد الذكر لإنقاذ أنثاه، التي يذبحها الصياد.
ويشرح الوزير لأردشير سبب ذلك الرسم بقوله: «أنا الذي فعلت ذلك الأمر وأمرت الدهانين بتصوير المنام وأن يجعلوا الطير الذكر في مخالب النسر الجارح وقد ذبحه وشرب من دمه وأكل لحمه. حتى إذا نزلت بنت الملك ونظرت إلى هذا الدهان ترى صورة هذا المنام وتنظر إلى الطير وقد ذبحه النسر الجارح فتعذره وترجع عن بغضها للرجال.»
وهكذا يمضي العلاج الفعال. تذهب الأميرة لزيارة بستانها، فتلاحظ من الخارج أنه جرى تجديد الجدران، وحين تدخل ينتابها العجب مما تراه، وتهتف بمربيتها: «تعالي انظري شيئا عجيبا .. ادخلي صدر الإيوان وانظري!» وكانت المربية مطلعة على الحيلة، وكأنها مساعدة الطبيب النفسي أو ممرضة عنده، فهي تتأمل الجدارية متعجبة، ثم تقول لها شارحة: «إن هذا هو صورة البستان والصياد والشرك وجميع ما رأيته في المنام، وما منع الذكر، لما طار، من أن يعود إلى أنثاه ويخلصها من شرك الصياد إلا مانع عظيم، فإني نظرته تحت مخالب النسر الجارح وقد ذبحه وشرب دمه ومزق لحمه وأكله، وهذا يا سيدتي سبب تأخيره عن العودة إليها وتخليصها من الشرك ...» فقالت بنت الملك «... هذا الطير جرى عليه القضاء والقدر ونحن قد ظلمناه.» وتفيض المربية في الدفاع عن ذكر الطير وعن الرجال عموما حتى زال كل ما في قلب الأميرة بنت الملك من بغض للرجال!
وتمضي القصة بعد ذلك في مجراها وأحداثها الجسام ما بين مد وجزر، وتنتهي إلى زواج أردشير وحياة النفوس بعد الكثير من المغامرات والملابسات العجيبة.
أما الاقتباس الثاني من قصة جودر الصياد فيشير بوضوح إلى عقدة أوديب ومتعلقاتها. وقد وجد المعلقون الكثير من الأصداء الأسطورية في تلك الحكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، والحبكة التي تعنينا من تلك الحكاية الكثيرة الأحداث تتعلق بكنز مرصود يسمى كنز الشمردل، ولا يمكن الوصول إليه وفتحه إلا عن طريق أداء طقوس معينة في زمن معين، والحرص على عدم التهاون في أداء تلك الطقوس والمراسم - قيد أنملة - رغم المصاعب والأهوال، وإلا بطل السحر وتعين الانتظار إلى نفس الوقت من العام الذي يليه. وكل هذه الأمور ترجع إلى عهود بدائية وأساطير يجمعها اللاوعي الجماعي الذي صوره «جيمس فريزر» في «الغصن الذهبي» و«مود بودكين» في كتابها «النماذج العليا في الشعر». ويوصي الساحر المغربي جودر بما يجب عمله للعبور سليما من تلك المحاذير والوصول إلى الكنز، ومن بين تلك المحاذير مقابلة تجري لجودر مع أمه في الباب السابع من أبواب الكنز المرصود، وهي في قاع نهر يتعين على جودر ولوجها بعد أن قام الساحر بتجفيف مياه ذلك النهر للوصول إلى الأبواب. وينفذ جودر تعاليم الساحر المغربي، حتى إذا وصل إلى لقاء الأم، تتفاعل العقدة الأوديبية في نفس جودر، ويعجز عن استيعاب ما ذكره له الساحر من أن الأم هنا شبح فحسب، فلما تلح عليه بألا يفضحها بخلع آخر ما تبقى عليها من ثياب تغطي العورة، يخالف الأمر ويسمح لها بالإبقاء على ما يسترها، وهو ما يبطل السحر، إذ لما يقول لها ذلك «صاحت وقالت: قد غلط فاضربوه، فنزل عليه ضرب مثل قطر المطر واجتمعت عليه خدام الكنز فضربوه علقة لم ينسها في عمره ودفعوه فرموه خارج باب الكنز وانغلقت أبواب الكنز كما كانت؛ فلما رموه خارج الباب أخذه المغربي في الحال وجرت المياه في النهر كما كانت.»
Página desconocida