Albert Camus: Un intento de estudiar su pensamiento filosófico
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
Géneros
أي معنى تحاول هذه الكلمة أن تعبر عنه، وهي تلغي كما يبدو من اسمها كل معنى؟ وماذا يمكن أن يقال عما يستعصي في ظاهره على كل مقال؟ وهل في وسع العقل أن يحكم بشيء عن كل ما ينفي العقل ويخالف المعقول؟ (أ)
قد يدل «المحال»، كما تخبرنا المعاجم اللغوية والفلسفية، عن أمرين؛ فهو قد يعبر تارة عن فساد في اللغة أو الذوق العام، أو عما لا يستقيم مع القواعد المألوفة في هذه اللغة أو هذا الذوق،
2
وهو تارة أخرى يدل على ما ينافي العقل ويخرج عما يمكن الحكم عليه بالخطأ أو بالصواب. والأساس المنطقي في الأمرين واحد؛ فالخروج عن قواعد اللغة هو في الوقت نفسه خروج عن قواعد المنطق التي تحكم هذه اللغة، والخروج عن قواعد المنطق يستتبع بالضرورة الخروج عن اللغة التي يحكم المنطق بناءها ويجعلها صالحة للتفاهم والتعبير؛ ففي استطاعتنا إذن أن نأخذ الكلمة بوجه عام للدلالة على ما يخالف العقل، وبوجه أعم على ما يعجز العقل عن أن يقرر في شأنه إن كان يخالفه أو لا يخالفه. وأعم من هذا وذاك وأشد غموضا إطلاق كلمة المحال في لغة كل يوم على ما يعتقد الإنسان أنه يخالف العقل، سواء في ذلك أكان الحديث عن لفظة أو فكرة أو إنسان.
3
ومن المألوف في حياتنا اليومية أن نطلق صفة الاستحالة على كل ما يتعارض مع ما نسميه عادة ب «العقل السليم»، وأن نبادر فنقول إن كل ما يناقض عاداتنا العقلية والفكرية، أو ما لا يدل على دلالة معينة تواضعنا عليها بحكم العقل أو حكم التقليد فهو محال. (ب)
أما في الفلسفة فنحن نفهم عادة تحت كلمة المحال ما يتعارض مع قوانين المنطق؛ فالفكرة «المحالة» فكرة لا سبيل إلى التوفيق بين عناصرها والتأليف بين أجزائها. والحكم «المحال» حكم يتضمن غلطا ينتهي به بالضرورة إلى نتيجة باطلة، ويكشف عن الفساد في بنائه الصوري. والمحال بهذا المعنى أعم من التناقض - الذي يجمع الضدين في حكم واحد وفي وقت واحد بالذات - وأقل تعميما من الخطأ والفساد؛ لأنه لا يدل على صدق ولا على كذب، وقد يدل عليهما معا في وقت واحد. (ج)
ولا يندر أن نقع في الكتابات الفلسفية وأشباهها على مثل هذه القضية: «العالم محال». ألا تعني هذه القضية أن العالم مجرد عن المعنى، أو أنه خال من كل غاية يمكن أن يهدف إليها الموجود من وجوده؟
لو أن الأمر كان كذلك لما كان في مثل القضية ما يستحق القليل أو الكثير من الكلام؛ لأنها ستترك عندئذ مجال العقل وتدخل في مجال العاطفة والانفعال. وقد تثير فينا ما تثيره صرخة نفس يائسة خاب ظنها في الحياة، ولكن العقل سيعرض عنها في كبرياء وسيجد أنها لا تستحق منه قليلا ولا كثيرا من العناء؛ فما أكثر ما تنطلق مثل هذه الصرخات من شفاه الحائرين والمعذبين، ومن فقدوا في عدالة الأقدار كل أمل ورجاء! وما أكثر ما سمعناها تتردد كالصدى الضائع المكتوم إثر كوارث الطبيعة في لشبونة أو أجادير، من أفواه أناس كانوا يقدسون التجانس والكمال في معبد الطبيعة فإذا بهم يقفون أمام أطلاله الخربة، ويرون بأعينهم ما آل إليه أفضل العوالم الممكنة! «كما تقول عبارة ليبنتس المشهورة». وسواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، فإن مثل هذه العبارة المريرة «العالم محال، أو العالم لا معنى له» قد تدل على خيبة الأمل كما تدل على عدم المبالاة، ولكنها قد تعبر كذلك عن حال التوقف والانتظار، حيث لا يعني المحال الصدق ولا البطلان، ولا يدل على الخطأ ولا على الصواب.
فإن كان المحال لا يعني أمرا من بين هذين الأمرين اللذين لا يتعداهما الفكر بحال، وإذا كان من اللازم المحتوم لكل قضية أن تكون إما صادقة أو كاذبة ولا توسط بينهما - على نحو ما يقضي به المنطق التقليدي وما يقول به «الحس السليم» الذي نسير على هداه في حياتنا اليومية - فهل هنالك إمكانية ثالثة بين هذين الأمرين أو وراءهما؟ هل يمكن أن تكون هناك قضية لا يجوز عليها الصدق ولا الكذب، أو يجوز أن تكون صادقة وكاذبة في آن واحد، بحيث يمكن أن نطلق عليها اسم المحال؟
Página desconocida