Albert Camus: Un intento de estudiar su pensamiento filosófico

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
86

Albert Camus: Un intento de estudiar su pensamiento filosófico

ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي

Géneros

6

ذلك أن التسليم الصامت بوجود العبيد معناه التخلي عن تلك القيمة، والتضحية بذلك الجزء من نفسه، الذي ينبغي أن يظل مقدسا لا يمسه أحد.

لقد سمعنا من قبل صرخة الاحتجاج يطلقها الإنسان في وجه المحال، ولكن السبب الأعمق الذي يدعو الإنسان إلى الحياة لم يكن في هذه المرحلة يتعدى تلك الصرخة اليائسة المتكبرة التي تدوي في سمع عالم أخرس أصم مجرد عن كل معنى: «إنني أصرخ قائلا إنني لا أومن بشيء، وإن كل شيء محال، ولكنني لا أستطيع أن أشك في صرختي، ولا بد لي على الأقل أن أومن باحتجاجي.»

7

ولكن هذا الاحتجاج الفردي المسجون بين جدران الذات قد استنفد نفسه، كما رأينا، في التمرد المحال. والتمرد المحال قد أنشب كالوحش الجريح الثائر أنيابه في جسده، فلم يستطع أن يخرج من حدود ذاته، ولم يستطع أن يؤسس قيمة عامة شاملة.

ولكن ها هي التجربة قد اتسع مجالها، والضرورة تستدعي وجود قيم جديدة. المضطهد المغلوب على أمره قد شعر في أثناء ذلك بذاته (لعل السبب في ذلك هو لقاؤه بالواقع الجديد، أو لعله هو المشاركة الإيجابية في حركة المقاومة السرية لجيوش الاحتلال، والانفعال العميق بآلام الحرب). إنه يخاطب الآن مضطهده مخاطبة الند للند. وديالكتيك «إما الكل أو لا شيء على الإطلاق.»

8 (الذي كان دائما شعار التمرد المحال عند العدميين من أمثال الطاغية كاليجولا واليائسة الحالمة مارتا) قد اتضح الآن في ضوء جديد؛ فالضحية تصرخ في وجه جلادها هاتفة: إما أن تحترم ما أنا عليه، وإما أن أوثر ألا أكون على الإطلاق. فما هو هذا الكيان الذي تريد الضحية أن تحافظ عليه من بطش جلادها، وما هذا الوجود الذي يريد المضطهد أن يؤكده في وجه من يضطهده؟ إنه قبل كل شيء الوعي والحرية، وكلاهما يكونان جوهر التمرد. ثم ما هو هذا «اللاكيان» أو «اللاوجود» الذي يجعل منه المتمرد البديل الوحيد للكيان والوجود؟ إن كلمته لمضطهده تعني هذه العبارة: «إذا كنت تراني على استعداد لأن أموت، فإن ذلك هو البرهان على أنني أؤكد وجود قيمة تعلو على وجودي ويشترك فيها جميع الناس.»

9

فما هي هذه القيمة التي يشترك فيها جميع الناس على السواء، وما هذا الوجود الذي يختار المتمرد العدم في سبيل الدفاع عنه؟ إننا نقترب بسؤالنا هذا من فكرة الطبيعة الإنسانية التي سيأتي الحديث عنها فيما بعد، والتي تعبر عن شيء يبقى وراء التغير، وقيمة تعلو على وجود الأفراد.

التمرد حتى الآن يحتوي على التوتر الدائم بين النعم واللا، بين التأكيد والرفض، وبين الوجود والعدم. ويكشف التحليل لمعنى التمرد عن خصائصه الجوهرية الأخرى؛ فهو إلى جانب هذا التوتر المتصل كرم وشهامة؛ فالأمر في التمرد أمر قيمة قد يستدعي الدفاع عنها وتأكيد وجودها أن يضحي الإنسان بحياته في سبيلها. وهي بذلك أيضا عكس الأنانية.

Página desconocida