الاهتمام بالسنة النبوية بلغة الهوسا
الاهتمام بالسنة النبوية بلغة الهوسا
Editorial
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
Géneros
مقدمة
...
مدخل
(١)
بيانٌ موجَز لدخول الإسلام بلادَ الهوسا وأثرُه فيهم
ذهب أكثر الباحثين إلى أنّ الإسلامَ دخل بلاد الهوسا في الفترة بين القرن الحادي عشر والرّابع عشر الميلاديين، وذلك لأنّ ملك كَانِم برنو (١): هَمّي جَلْمي (١٠٨٥- ١٠٩٧م) اعتنق الإسلامَ فأسلمت على يده مملكتُه كلّها، وصار الإسلام فيها بعد ذلك منتشرًا في سلاطينهم وعامّتهم، بل ليس في هذه البلاد عامّة معتنون بقراءة القرآن وتجويدِه وحِفْظه وكتابَتِه أكثر منهم (٢) . وقد أسلم أمير كانو: عَلِي ياجي (١٣٤٩-١٣٨٥م) وانتشر الإسلام في عهده. وَفرّق الأستاذ الدكتور شيخو أحمد غلادنثي ما بَين دخول الإسلام إلى الدولة وانتشارِه عن طريقها، - فيكون الأمر كما ذكر المؤرِّخون -، وبين دخول الإسلام إلى أفراد الشّعب وانتشاره بينهم بالطّرق السِّلْمِيّة عن طريق التّجارة وغيرها، وحينئذ فدخول الإسلام إلى المنطقة أقدمُ بكثير مما ذكر المؤرِّخون (٣)، ومما استُشْهد به على ذلك قولُ المؤرِّخ الشيخ محمّد بللو: «إنّ الإسلام في هذه البلاد إنّما ورد به التّجار والمسافِرون فأخذه مَن أَخَذه عَنْهم» (٤) .
بيد أنّ غَالِب من اعتنق الإسلام في أوّل الأمر لم يدركوا جَيّدا الحقائقَ
_________
(١) تقع الآن في نيجيريا.
(٢) «إنفاق الميسور» لمحمد بللو (ص٩) .
(٣) انظر: «حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا» للدكتور شيخو غلادنثي (٢٧- ٣٠) .
(٤) «إنفاق الميسور» لمحمد بللو (ص١٠)، وانظر: «حركة اللغة العربية» (ص٣٣) .
1 / 1
الإسلاميّة، فاستمرّوا على ما يُشبِه جاهليَّتَهم، مع تَأْدِيتِهم بعضَ شعائر الإسلام كالصّلاة والصّوم، ولكن ذلك لم يمنعهم من التّعلق بغير الله، والذّبح للجنّ والأشجار، وإتيان الكَهنة والسَّحرة، والتّطيّر، وإدمانِ الخمر، وتبرّج النّساء، وغير ذلك، ومما زاد الطِّينَ بِلّةً أنّ أكثر السّلاطين الذين ادّعوا الإسلام لَم يؤمنوا به حقّ الإيمان، وإنما أرادوا استغلالَه لمصالحهم؛ لَمّا رأوا إقبالَ النّاس على ذلك الدين الجديد. وكان العلماء أيضًا في أول العهد قلّة، ولم يكن لدى التّجار الذين هم سببُ انتشار الإسلام الكَفَاءةُ العِلمِيَّة الّتي تُؤَهِّلُهم لشرح المعاني الدّقيقة والقواعد الأساسية للإسلام، ويُضاف إلى ذلك كثرةُ ترحال التّجار وعدم استقرارهم في محل واحد؛ مما جعل إمكانية التّعليم الجاد المستمرّ أمرًا عسيرًا، لكن الأمر تحسّن مع مرور الوقت، لما بدأ العلماء يَفدون إلى هذه البلاد من المغرب العربي ومصر، ولعلّ من أشهر من وفد إليها من العُلماء الإمام السّيوطي ﵀ (ت٩١١هـ)، والشّيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني (ت٩١٩هـ) . فانكبّ جمعٌ من النّاس على طلب العلم، ونشأ العديدُ من المدارس والمراكز العِلمِيَّة.
ثم إنّ الأمر قبل ظهور دولة الشّيخ عثمان بن فودي (خلافة صكتو) قد أخذ في التّردي والانحطاط، حَتّى كادت آثارُ الإسلام تُمْحى؛ إذْ أكبّ كثيرٌ من النّاس على عبادة الأحجار والأشجار والأنهار يَرجُونها لجلب الخير
ودفع الشَّرّ، وانتشرت البدَعُ، وفَشَتِ المنكراتُ والتّقاليد الجاهليّة بصورةٍ مُزْرِيَةٍ جدًاّ.
فشاء الله أن تهبّ رياحُ خيرٍ على المنطقة في أوائل القرن الحادي عشر الهجري، إذ ظَهر نخبةٌ من العلماء، منهم: الشّيخ محمد سمبو بن عبد الله، وكان
1 / 2
عالمًا تقيًا، رَحل إلى الحرمَيْن وأقام فيهما بِضع عشرة حِجَّة، ومنهم الشّيخ محمّد بن الرّاجي، أخذ (صحيح البخاري) وكتبَ السُّنَّة عن علماء الحجاز، وله إجازة إلى البخاري من شَيخه أبي الحسن السِّندي عن محمّد بن حياة السِّندي. ومنهم: الشّيخ جبريل بن عمر، الذي كان عالمًا ربّانيًا، شديدَ التّمسك بالسُّنَّة، وصار الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر دَيْدَنَه، ولم يَكن يَخافُ في ذلك لومَةَ لائمٍ، فقام بمحاربة البِدع والعادات الجاهليّة، فأخذ ذلك عنه تلميذُه الشّيخ عثمان بن محمّد بن صالح بن فودي الّذي سَاءَه ما آلت إليه أحوالُ البلاد من قلّةِ العلْمِ وانتشار البِدَع والخرافَات وظُلْمِ الأمراء وغير ذلك، فأخذ يَقتفي أثرَ شيخه (جبريل بن عمر) فَجال المدُنَ والقُرى يدعو النّاس ويعلمّهم دينَهم، فدعا إلى إحياء السُّنَّة وطرح مَا يخالفها، وقد وقف ﵀ أمام سَلاطين الهوسا وَأنكر عليهم انحرافَهم عن الدِّين وظُلْمَهم الرَّعِيَّةَ وحملَهم إيّاهم على أحكامٍ جاهليَّةٍ وتقاليدَ موروثَةٍ، فقابلوا دعوتَه بالرَّفض والاضطهاد له - وأمّا عامة الشّعب فقد التفوا حول الشّيخ منذ البداية، وَقَبِلوا دَعْوَتَه وأخذوها بقوّة - وكان أشدّ الأمراء عداوةً لدعوة الشّيخ سلطان غُوبر الذي يُدعى (يُنفَى)، فدارت مناوشاتٌ وحروبٌ انتهت إلى النّصر المبين لجماعة الشّيخ. وأخذت إماراتُ الهوسا تَسقط شيئًا فشيئًا، إلى أن أقام الشّيخ عثمان عام: ١٨١٢م دولةً إسلاميّة قويّةً هي الوحيدة على نمطها في القارة الإفريقيّة، فدخلت في طاعتها كلّ إماراتِ الهوسا وبعضُ مملكة برنو وإقليمِ أَدَمَاوَا.
وقد أخذتْ هذه الدّولة على عَاتقها تطبيقَ الشّريعة، ونشر الإسلام وثقافته واللّغة العربيّة في المنطقة بصورةٍ مُتميِّزة، بل إنّها صَيّرت العربية لغة
1 / 3
البلاد الرّسميّة، وقامت بتشجيع العُلماء على الدّعوة والتّدريس والوعظ، فانتشر لذلك الإسلام بين جميع رَعَايَاها حتى لم يبق منهم على الوثنيّة إلاّ قلّة، واستمرّت على المنهج الإسلامي - وإن وجدت بعضُ الانحرافات عن المنهج الأمثل لدى بعض أُمرائها، ولكن قواعد الدّولة ظلّت على أساس الشّريعة الإسلاميّة - إلى أن سيطر الإنجليز عليها عام ١٩٠٣م.
ومن الجدير بالذّكر أنّ قبائل الهوسا يتمركزون بِصِفَةٍ أساسيّة في الإقليم الشّمالي للبلاد، وكذلك في الْبُلدان المجاوِرة مثل: النّيجر والكامرون، وشمالي التُوجو وبنين وغَاَنا، ويبلغ نِسبتُها من عدد السّكان – بما فيها قبائل الفولاّني - حوالي: ٣٣؟ يمثِّل المسلمون منهم أكثرَ من ٩٧؟، ونسبةُ التدين فيهم عالية بسبب الحركة التجديديّة للشيخ عثمان بن فودي، ومع ذلك فلا يَزال الجهلُ بالدّين وبعضُ العادات والتّقاليد الخاطئة مشوِّهَاتٍ ضخمة لروح التّدين لديهم. وقد امتزج الهوساويون بقبائل الفولاّني، ونتيجةً لشدة التّمازج الحاصل بين هاتين المجموعتين فإنّ أكثر من ٧٠؟ من الفولانيين الّذين يعيشون في المدن لا يعرفون لغتهم الأصليّة، ويستخدمون في تخاطبهم لغة الهوسا بَدلًا عنها، فأصبحوا يؤلفون مجموعةً عرقيةً واحدة يُطلق عليها اسم: (هوسا-فولاني) .
1 / 4
(٢)
لَمْحَةٌ عن مَكَانة السُّنَّة النَّبويَّة في التّشريع الإسلاميّ
للسّنة النَّبويَّة مكانةٌ عظيمةٌ ومنزلة عاليةٌ رفيعةٌ في التّشريع الإسلامي، فهي المبيِّنةُ للقرآن الكرِيم، والمفسِّرةُ لمجمَلِه، والمخصِّصَة لعامِّه، والمقيّدة لمطلَقِه، والشّارحةُ لمبهَمِه، ولذلك أوجب الله تعالى على المسلمين النّزولَ عندحكمِه ﷺ في كلّ خلافٍ فقال تعالى ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْفِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾: [النساء: ٦٥] .
وجعل طاعة رسول الله ﷺ طاعة لله، فقال عز من قائل: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَعَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: ٨٠] . وحذّر من مَغَبّة مُخالَفة أمره ﷺ فقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] .
والآيات في وجوب اتباع سنّته ﷺ والنّهي عن مخالفته ﷺ كثيرةٌ جدًّا.
وقد أكد رَسول الله ﷺ هذا المعنى في أحاديثَ كثيرةٍ تكفي في الدّلالة على أنّ السُّنَّة تَوْءَمُ الكِتاب، وقرينةُ التنزيل؛ منها ما رواه الإمام أحمد (١) وأبو داود (٢) - واللفظ له- بسندٍ صحيحٍ عن المقدام بن مَعدي كرب أنّ رسول الله ﷺ قال: «ألا إنّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَه مَعه» . وهذه المثليّة شاملةٌ
_________
(١) «مسند الإمام أحمد» (٤/١٣٠) .
(٢) «سنن أبي داود» (٤/٢٠٠/رقم٤٦٠٤) .
1 / 5
لمعنى الوَحْي، ومَعْنى الاستقلاليَّة في التّشريع، فهو وحيٌ كالتنزيل، وشريعةٌ يتحتَّم على المسلم الإيمانُ بها، والتَّسليمُ لقضائها دون شعورٍ بأدنى حرجٍ من ذلك أو ضيقٍ، وأنّ على المسلم الأخذَ بها ومَن ادَّعَى الاستغناءَ بالقرآن عَنها فقد خاَلف الصِّراط المستقيم الّذي دلّت عليه آياتُ التنزيل وبَيَّنَه النّبي ﷺ أوضحَ بيانٍ، وسار عليه الصّحابة وأئمّة الهدى من بعدهم ﵃ أجمعين.
1 / 6
الفصل الأول: الاهتمام بتدريس السنة بلغة الهوسا
تدريس السنة بلغة الهوسا في الحلقات العلمية والدروس العامة
مدخل
...
الفصل الأوّل: الاهتمام بتدريس السُّنَّة بلغَةِ الْهوسا
تدريس السُّنَّة بلغة الهوسا في الحلقات العِلمِيَّة والدّروس العامّة
إنّ اهتمامَ المسلمين بالسُّنَّة قديمًا وحديثًا راجعٌ إلى درايتهم بمكانتها في التّشريع الإسلاميّ، وعلمهم بمنزلتها من الوحي الإلهيّ، ومن صُوَر اهتمام المسلمين من قبائل الهوسا بالسُّنَّة النَّبويَّة اهتمامُهم بِنَقْلها وتدريسها للأفراد والعامّة، عبر قناةِ لغة الهوسا، ففي حَلقات العلم لَديهم تجد أنّ مِن بين الكتب التي يدرِّسها الشّيخ تلاميذَه كُتُبًا في السُّنَّة النَّبويَّة، مستخدِمًا في تدريسها لغةَ الهوسا، يَشرح لهم معاني الأحاديث المقروءة عليه؛ بالاختصار تارةً، وبالبسط تارةً أخرى حسب ما للشّيخ من إلمامٍ بموضوع تلك الأحاديث، وعلى قدر ما يملك من المادّة العِلمِيَّة وما يَستظهر من سائر فُنون العلم والمعرفة، وهو في غالب الأحيان إنّما يؤدّي ما تلّقاه هو أيضًا من شيخه الّذي تلقى عنه العلم، فتجد حتى مفرداتِ التّرجمة تَكاد تكون واحدةً لا تتبدّل، وَصِيغ الجمَل لا تتغيّر؛ إذ ترجمة تلك الكتب عندهم أمر يُتلقّى شفهيًاّ، ولَيست عن اجتهادِ مجتَهدٍ، وقد يعتذر الشّيخ بعدم تدريس كتابٍ مّا؛ لأنه لم يتلقَّه من شيخه في أثناء طلبه للعلم. وهذا قد ساعد على توحّد الترجمات الشفهيّة للأحاديث النَّبويَّة في المجتمعات الهوساويّة على نحو كبيرٍ من جهة، ومن جهة أخرى ساعد هذا التّقليد على ذيوع أخطاء مُعيّنة في ترجمة بعض الأحاديث، مثال ذلك حديث «إذا مات الإنسان انقطع عَمَلُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية....» الحديث. فقد كانت من عادة بعض العلماء سابقًا أن يترجموا عبارةَ (صدقة
1 / 7
جارية) إلى لغة الهوسا بما معناه: (صدقة فَتَاةٍ) أي أنّه بإمكان الأب أو ولي البنت أن يُنكح ابنتَه أو مَوليَّته إلى من يراه كفئًا لها دون أن يتقاضى منه مهرًا، بل يتصدّق بإنكاحها إيّاه، وهذا ذَهَابٌ منهم إلى أنّ المراد بالجارية في الحديث (الْفَتاة) وأنّ الجملةَ إضافيةٌ؛ فيقرؤونها (صَدَقَةُ جَارِيَةٍ) بدلا من أن تكون كلمةُ (جارية) نعتًا لكلمة (صدقة) وهي مؤنّث وصف (الجاري) من فعل (جَرى يجري) أي (صَدَقَةٌ مستمرَّة غير منقطعة) كَحَفْر الآبار وبناءِ الأوقاف وغيرها.
وهذا من الأمور الّتي قام الشّيخ أبو بكر محمود جومي ﵀ بتصحيح مفاهيم المسلمين فيها، وبين لهم المراد من هذا الحديث، وأخبرهم بما ينبغي فعله لمن أراد أن يُحسن إلى شخصٍ بتزويج موليته إيّاه لما رأى فيه من صفات محمودةٍ، وآثار حَسنة تجعل مصاهرتَه أمرًا مرغوبًا فيه للنّفس، بأن يقوم الأب أو الولي بالتّبرع بمهر موليّته إلى من يريده زوجًا لها، ويقوم الأخير بدفع المهر إلى البنت، فتتمّ بذلك أركان النكاح المطلوبة شرعًا لصحته. وبذلك استطاع الشّيخ القضاءَ على هذه الظاهرة (١) .
وثمة كتب حديثيّة يتمّ الاعتناء بها غالبًا في الحلقات العِلمِيَّة والدّروس العامّة.
_________
(١) انظر: «البحث عن أعمال الشيخ أبي بكر محمود جومي» (ص٥٨-٥٩) .
أولا: الحلقة العلمية ... أوّلا: الحلقات العِلمِيَّة ففي الحلقات العِلمِيَّة، هناك صنفان من الكتب: الصّنف الأوّل: ما كان معروفًا بين علماء بلاد الهوسا: ومن نماذج هذا الصّنف:
أولا: الحلقة العلمية ... أوّلا: الحلقات العِلمِيَّة ففي الحلقات العِلمِيَّة، هناك صنفان من الكتب: الصّنف الأوّل: ما كان معروفًا بين علماء بلاد الهوسا: ومن نماذج هذا الصّنف:
1 / 8
١- الكتب الستة:
وهي (صحيح البخاري وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن التّرمذي، وسنن النّسائي، وسنن ابن ماجه) وهي الكتب الّتي اشتملت على أغلب الأحاديث الّتي عليها مدار أحكام الشّريعة الإسلاميّة. وقد اعتنى بها غير واحد من علماء الهوسا، تعلّما وتعليما، فمن هؤلاء: الشّيخ (مَالَمْ) سابو زَاغي ﵀، وكان يقال: إنّه كان يحفظ هذه الكتب عن ظهر قلبٍ ويصحّح قراءةَ تلاميذه من حفظه، وكان يدرسها في حلقاته العلميّة بلغة الهوسا، وقد خلفه ابنه في حلقته. والشّيخ مَالَمْ غَدُو دَمَاسُو ﵀، وكان يسكن حيّ مَرْمَرَا بمدينة كانو. والشّيخ مَالَمْ حُسَيْن كَبَرا ﵀، ويقال أيضا: إنه ممن يحفظها. واشتهر بتدريسها بلغة الهوسا. والشّيخ أحمد مَطَاتي، والشّيخ مَا لَمْ مصطفى مجتبى ﵀ وكان قد سَكَن ولاية كانو ثُمّ انتقل إلى ولاية كادونا في عهد أمير كانو عَبّاس، من عام ١٩٢٢م إلى عام ١٩٢٧م. وكان يُمدح بأنّه (الجامع بين الحديث والقراءة، والإمارة والجاه) . ومنهم: الشّيخ مَالَمْ مِجِنْ يَوا ﵀ وحلقته في حي (بَقِنْ رُوَا) بمدينة كانو، والشّيخ مَالَمْ عَلِيّ محمّد كماسي ﵀ (ت١٩٨٦م)، والشّيخ مَالَمْ نُوح وله حلقة علميّة في حي (سَانِي مَيْ نَغِّي) كانو - وقد اشتهر بتدريس (الصّحيحين) وغيرهما، وما زالت حلقته إلى اليوم.
٢- كتاب الموطأ، للإمام مالك:
ولأهميته عند علماء المالكية، اهتم به علماء بلاد الهوسا لكونهم على المذهب نفسه، فكان من الكتب الحديثيّة الّتي اعتنوا بتدريسها لتلاميذهم ونَقلها إليهم بلغة الهوسا، وممن اشتهر بتدريس (الموطأ) في حلقته العلميّة:
1 / 9
الشّيخ مَالَمْ يَحيى الضّرير ﵀، وقد عاش في حي (يَن تَمْبَرِي) بمدينة كانو، وتوفِّي قبل ثلاثين عاما تقريبًا، وكان له إجازةٌ بهذا الكتاب، ومنهم: مَالَمْ الشّيخ نوح في حي (سَاني مَيْ نَغِّي) بمدينة كانو، ولا زال حياّ إلى وقت كتابة هذه العجالة، والشّيخ طاهر عثمان بوشي، أحد أقطاب الصوفيّة، وكان يدرّس كتاب (الموطأ) ويُبَثّ في إذاعة كادونا الفيدرالية، وكان هدفُه من تدريس هذا الكتاب معارضةَ دروس الشّيخ الدّاعية المصلِح: أبي بكر محمود جومي ﵀ كدرسه في (صحيح البخاري) كما سيأتي الحديث عنه.
٣- كتاب (الأربعون حديثًا النّووية):
وهي مجموعَةُ أربعين حديثًا من تأليف الإمام يحيى بن شرف الدّين النّووي (ت٦٧٦هـ) في جزءٍ صغيرٍ، بحذفِ أسانيدها والاكتفاء بصحابِيّ الحديث، والإحالةِ على مخرِّجِيها من أصحاب الكُتب الحديثيّة المسندَة كصاحبي الصَّحيحَيْن، وأصحاب السّنن الأربعة. وهي أحاديث أصول تدور عليها غالب الأحكام والمسائل الشرعِيّة.
وقد درج العلماءُ في بلاد الهوسا على عَدِّ هذا الكتاب أوَّلَ كتابٍ يدرسه التِّلميذ على شيخه في الحديث، ويَفْقه معانيَه بلغة الهوسا، لأهميَّته تلك، وكثيرٌ من العلماء لا يَسمح للتلميذ أن يَتلقّى دروسًا في الحديث قبل أن يَفْقه في بعض كتب الفُروع الفقهيَّة مثل كتاب الأخضري في الفقه المالكي، وكتاب العزية في الفقه المالكي أيضا؛ إذْ يعتقدون أنّ الأحاديث النَّبويَّة لا يمكن لأحد فَهْمُها ما لَم يَقْوَ عَضُدُه في بعض العلوم الشَّرعيّة وبخاصّةٍ ما يتعلَّق بالفقه المالكيّ.
1 / 10
ويدرس التِّلميذ هذا الكتابَ بقراءته على شيخه حديثًا منه في كلّ مجلس، والشّيخ يترجمه له جُمْلةً بعد أخرى، ويقفُ الشّيخ وقفاتٍ فيما يراه بحاجةٍ إلى الشّرح والتّوضيح. وفي الغالب لا يتجاوز التِّلميذُ حديثًا واحدا في كل جلسة، بل قد يقطِّعُ بعضَ الأحاديث الطِّوَال، ويَتلقَّاها في عِدَّة مجالس؛ كحديث جبريل في السُّؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان ونحوه. ويستمرّ التّلميذُ في تلقِّي ترجمةِ هذا الكتاب إلى لغة الهوسا عند شيخه حتى النِّهاية.
٤- كتاب (لباب الحديث)، للسّيوطي:
من الكتب الحديثيَّة الّتي تُدرس في الحلقات العلميَّة أيضًا كتابُ (لباب الحديث) للسيّوطي، وهو عبارةٌ عن مجموعةِ أحاديثَ ضعيفةٍ وموضوعةٍ جمعها الحافظ أبو بكر السّيوطي ﵀ بحجّة أنّ الضَّعيفَ يُعمل به في الفضائل والتّرغيب والتّرهيب، لكنّه في هذا الكتاب لم يَسْتوفِ الشّروطَ الّتي وَضعها من يَرى هذا الرّأي من العلماء، فَحَشر فيه أحاديثَ كثيرةً أغلبُها ضعيفٌ جدًاّ وموضوعٌ، وهي بلا شكّ خارجةٌ عن محلِّ الجواز عند من يَقول بِه من العُلماء.
ومن عجيب المفارقَات أنّ التّلميذ لا يَنحدر إلى هذا الكِتاب حَتىّ ينتهي من كتاب (الأربعين النّووية) الّذي جمع أصولَ الإسلام، وأهمَّ جُمَلِه، والحالُ أنّه من الأولى أن يَرتَقي التّلميذ ويَعلو إلى كتابٍِ أرفعَ من هذا من حيث الأصالةُ والصِّحةُ، والتَّوسّعُ، لكنّه بدلًا من ذلك يَتردَّى إلى كتابٍ يحوي كثيرًا من الأباطيل والأكاذيب. وعُذْر العلماء في ذلك الحين عَدمُ تمكّنهم من المعارف الحديثيّة، وقلَّةُ بضاعتهم في تمييز الصّحيح من السّقيم، والثّابت من الموضوع.
1 / 11
٥- كتاب (مختار الأحاديث النَّبويَّة) للهاشمي:
كما يَندرج أيضا في قائمة الكُتب التي تُتدارس في الحلقات العِلمِيَّة كتابُ (مختارالأحاديث النَّبويَّة) وهو كتابٌ جَمَعه الأستاذُ السّيد أحمد الهاشمي وَهُو عبارة عن قِصار الأحاديث اختارها من كتاب (الجامع الصغير) للسيوطي وحَذَف حَتّى صحابِيّ الحديث في الغالب، ورتّبها على حروف المعجم، وفيه من الأحاديث الضعيفةٍ والموضوعةٍ شيءٌ كثير، وجامعُها في علمِ الحديث جِدُّ فَقير. وهذا الكتاب أيضًا مِمّا يُترجم لطلاب العلم في الحلقات العِلمِيَّة إلى لغة الهوسا.
الصّنف الثّاني: الْكُتب الّتي رافقت الصّحوةَ الإسلاميّة
ولما بدأ علمُ الحديث يَنتشر في المجتمع الهوساوي في الآونة الأخيرة عن طريق الطّلاب الّذين دَرَسوا في البلاد العربيّة، وفي طليعتها المملكةُ العربيّة السّعوديّة، ونَهلوا من علم السُّنَّة النّبويّة ما لم يكن لأسلافهم من قَبلُ بَدأت بعضُ الكتب الحديثية المهمّة تُدَرّس في الحلقات العِلمِيَّة، من ذلك:
١- كتاب بلوغ المرام من أدلّة الأحكام:
وهو كتابٌ وَضَعه الحافظُ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت٨٥٢هـ) مشتملًا على أحاديثِ الأحكام، مُبيِّنًا مؤلفُه الصّحيح والسّقيم، مرَتِّبًا إيّاه على أبواب الفقه، شاملًا لغالب أدلّة المذاهب الفقهّية الأربعة وغيرها.
وبِداية إدخال تدريس هذا الكتاب في الحلقات العلمية تَعود إلى أوائل الثمانينيات على أيدي الجماعات المنتسبة إلى أهل السُّنَّة والجماعة، ثُمّ عمّ ذلك جميعَ التّيارات في البلاد؛ الصوفيّة وغيرهم.
1 / 12
والجدير بالذّكر أنّ هذا الكتاب يعد من الكتب الّتي نَقلت إلى المجتمع الهوساوي وإلى لغة الهوسا ذاتِها مصطلحاتٍ علميّةً جديدةً لم يَكن النّاس قد أَلِفُوا سَماعها من قبل، وذلك: أنّ الحافظ ابنَ حجر العسقلاني ﵀ كان يَحكم على الأحاديثِ الّتي يَسوقها في هذا الكتاب ولا سيّما الّتي لم تَكن في الصّحيحين بما يُناسب حالها صحَّةً وضعفًا، وكان يَستخدم مصطلحاتِ أصولِ الحديث في بيانه ذلك، من قبيل مصطلح (المرسل) و(المنكر) و(الشّاذ) و(المعلول) و(الحَسَن) و(الصّحيح) وهَلُمَّ جرًاّ، وهي كُلُّها مصطلحات تنتمي إلى علم (أصول الحديث) أو ما بات يُعرف بـ (مصطلح الحديث) وهو علمٌ رَغم كونِ بعض علماء بلادِ الهوسا (١) قد كَتبوا فيه، إلا أن مبادئه الأساسيّة ظلّت مجهولةً في الأوساط العلميّة في تلك البلاد، ولمَ يُولِ العلماءُ عنايتهم بتعلّمه أو تعليمه، فصارت بذلك تلك المصطلحات غائبةً عن ذلك المجتمع تمامًا، لا يَعرفها كثير من المنتمين للعلم ناهيك عن عَوام النّاس. فلمّا بدأت الحلقاتُ العِلمِيَّة بتدريس هذا الكتاب وَنَقْلِ مُحتوياته إلى لغة الهوسا هنا صَادف كثيرٌ من العلماء وطلاّب العلم إشكال شرح تلك المصطلحات العِلمِيَّة الّتي لم يكونوا على دِرَاية كافية بها، فتخبّط كثيرٌ منهم في ترجمتها كما تَخَبّطوا في بيان المقصود منها ونَقْلِها إلى فُهُوم المتعلِّمين. وكان هذا بدايةَ اكتشافِ كثير منهم أهميَّةَ علم أصول الحديثِ أو مصطلح الحديث، فَطفق النّاس يَبحثون
_________
(١) كالشيخ: عبد الله بن فودي (ت١٢٤٥هـ)، وله فيه منظومة باسم (مصباح الراوي في علم الحديث) حققها الشّيخ محمد غالي موسى في أطروحة الماجستير في جامعة صوكوتو، وحققها أيضا: الأخ الشّيخ محمّد المنصور إبراهيم مع تعليقات موضحة مقاصد الكتاب، ويعدها للنشر إن شاء الله تعالى.
1 / 13
عن معرفتِه ودراستِه لكي يتمكَّنوا من حلِّ رُموز كتابٍ مثل (بلوغ المرام من أدلّة الأحكام) .
كانت الحلقات العِلمِيَّة بِشتَّى صُوَرِها تتناول هذا الكتاب بالدِّراسة ونقلِ مادّته إلى لغة الهوسا، وَكان بعضُ العلماء يَسلُكون الطّريقة التّقليديّة في نقل المعارف وتدريس العلوم، وهي الّتي يتلقى فيها التلميذ مادَّة الكتاب مُترجمةً إلى لغة الهوسا من شيخه؛ يَقرأ عليه جملةً ثُمّ يسمع منه ترجمتَها، ثم يقرأ جملةً أخرى وينتظر ترجمتَها، وربما شَرح له بعضَ مدلولاتها ... وهكذا. وذلك لأنّ العادةَ في الحلقات العِلمِيَّة آنذاك أن يختصّ كلّ تلميذٍ بموادِّه الّتي يدرسها على شيخه، ولا يجتمع التّلاميذ بعضُهم ببعض في سماع موادَّ مشتَركة في آنٍ واحدٍ.
ثُمّ فِيما بَعدُ صار بعض العلماء يجعل هذا الكتابَ مادَّةً من ضمن المواد المشتركة حيثُ تكون الحلقة تضمّ موادَّ علميَّةً منتظمَةً يأخذها الطّلاب جميعًا في آنٍ واحدٍ، فيأتي كلُّ واحدٍ منهم مثلًا بكتاب (بلوغ المرام) في اليوم المخصَّص له فيقرأ أحدهم بعضَ أحاديث الكتاب حديثًا حديثًا مع الإصغاء إلى الشّيخ يترجمه لهم إلى لغة الهوسا، والكُلُّ آخذٌ بنسختِهِ يُتَابِع قراءةَ التّلميذ القارئِ وترجمةَ الشّيخ لكلّ جملةٍ تُقرأُ عَليه.
بينما نجدُ بعضَهم جعلَ الكتاب مادَّةً لدرسٍ عَامّ يحضره طلاب العلم وغيرهم من عامّة النّاس، مخصِّصًا له يومًا في مسجده يقرؤه على النّاس مترجمًا لِجُمَلِه جملةً جملةً وشارحًا لمعانيه. وهذه طريقةٌ في التعليم مبتكرَة لم تكن مَعروفةً سلفًا في مجتمع الهوسا، وإنما جاءتْ مع الصَّحوة الدِّينيّة والنّهضة العِلمِيَّة المعاصرة الّتي بَدأت بالشّيخ (أبو بكر محمود جومي) ﵀، وإنما كانت المجالس العامّة سابقًا مجالسَ للوعظ والنّصائح في الجملة.
1 / 14
٢- كتاب (رياض الصالحين) للإمام النّووي:
وهو كتاب صنفّه الإمام يحيى بن شرف الدّين النّووي ﵀ (ت٦٧٦هـ) وقد ضَمَّن هذا الكتاب كثيرًا من الأحاديث النَّبويَّة غالِبُها صحاحٌ وحسانٌ، ويَدور موضوعها على التّربية الإسلاميّة وبَيان مكارم الأخلاق الّتي يجب على المسلِم التّحلي بها والتّحذير من مساوئ الأخلاق الّتي يجب عليه اجتنابُها، وتعليم الآداب الشّرعيّة الّتي جاء بها الإسلام.
وهذا الكِتَاب أيضًا من الكُتب الّتي دخلت الحلقات العِلمِيَّة في بلاد الهوسا في وقت متأخِّر، وعُرف هذا الكتاب على نطاقٍ واسعٍ في ظلّ الدّعوة السلفيّة الّتي رَبطت المسلمين بالسُّنَّة النَّبويَّة فأصبحوا يبحثون عن كُتُب تعتني بها لنقلها إلى لغة المجتمع.
وطريقةُ تدريس هذا الكتاب غير مختلفةٍ عن الطّريقة التي سلكها العلماء والدعاة في تدريس كتاب (بلوغ المرام) . والإمام النووي وإن كان أشهرَ عند علماء بلاد الهوسا من الحافظ ابن حجر، بسبب كتابه (الأربعون النووية) إلاّ أن اكتشاف أهميّة كتابه هذا وعنايتهم بتدريسه ونقله إلى لغة الهوسا جاءت متأخِّرَةً عن عنايتهم بكتاب (بلوغ المرام)، ولعلّ السّبب في ذلك عائدٌ إلى اختلاف مادّة الكتابين، فَبينما كان كتابُ (رياض الصّالحين) اعتنى فيه مؤلِّفه بجمع مادّةِ التَّربية الإسلاميّة من صحاح السّنن وحسانها كانَ الكتاب الأوّل وهو (بلوغ المرام) اعتنى فيه جامعُه بمادَّةِ أدلَّة المسائل الفقهيّة، وكان علم الفقه، وبخاصة الفقه المالكي في مجتمع الهوسا يمثلّ قمَّة العلوم الّتي اعتنى بها العلماء وأتقنوها، ولما كانت الدّعوة السلفيّة قد جاءت بنبذ التّعصب المذهبي والدعوة إلى فقه الدّليل والاتّباع، كان من الطّبعي أن تكون عنايتُهم بهذا
1 / 15
الكتاب عنايةً منقطعةَ النّظير؛ إذْ يحمل في طَيّاته أدلَّة حديثية جديدةً بالنّسبة لما أَلِفُوا سماعَه من ذي قبل؛ إذْ دِراستهم للفقه كانت محصورةً جدًاّ في بعض كتب المتأخرين من المالكيّة ولا سيما كتاب (مختصر خليل)، فوجد علماء الدعوة السلفيّة في كتاب (بلوغ المرام) ما لم يجدوه في غيره من الكتب التي وصلت إليهم في هذا المجال.
ثانيا: الدّروس العامّة هناك كتبٌ تناولها علماءُ الهوسا بالتّرجمة في دروسهم العِلمِيَّة الّتي يعقدونها بغرض توعيةِ النّاس وتبصيرهم بدينهم؛ كلّ حسب توجهاته العقديّة وميولاته المنهجيّة، من ذلك: ١- كتاب (صحيح البخاري): وهو كتابٌ شهيرٌ غنِيٌّ عن التَّعريف، من تأليف أمير المؤمنين في الحديث، الإمامِ محمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويأتي في الصّحة بعد القرآن الكريم إجماعًا، فلذلك اعتنت به الأمّة أَيّما اعتناءٍ، وكان لِعلماء الهوسا دورٌ كبيرٌ في نشر كنوز الكتاب ونقل معارفه في لغة الهوسا إلى الجماهير النّاطقة بهذه اللّغة، وأوّل مَن يُذكر دورُه في هذا المضمار: الشّيخ أبو بكر محمود جومي ﵀ (ت١٤١٢هـ)، رائدُ الدّعوة السَّلفيّة في بلاد الهوسا وما جاورها، فقد كان لدروسه في ترجمة (صحيح البخاريّ) إلى لغة الهوسا - وكانت تُبثُّ في أكبر إذاعة في شمال نيجيريا، وهي إذاعةُ كادونا الفيدراليّة - أكبرُ أثرٍ في إحياء السُّنَّة المحمديّة، ومحاربة بِدع الصوفيّة التي عمّت ربوع بلاد الهوسا قبل بزوغ دعوة هذا الشّيخ. وقد بدأ الشّيخ أبو بكر جومي ﵀ بإلقاء الدّروس العِلمِيَّة
ثانيا: الدّروس العامّة هناك كتبٌ تناولها علماءُ الهوسا بالتّرجمة في دروسهم العِلمِيَّة الّتي يعقدونها بغرض توعيةِ النّاس وتبصيرهم بدينهم؛ كلّ حسب توجهاته العقديّة وميولاته المنهجيّة، من ذلك: ١- كتاب (صحيح البخاري): وهو كتابٌ شهيرٌ غنِيٌّ عن التَّعريف، من تأليف أمير المؤمنين في الحديث، الإمامِ محمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويأتي في الصّحة بعد القرآن الكريم إجماعًا، فلذلك اعتنت به الأمّة أَيّما اعتناءٍ، وكان لِعلماء الهوسا دورٌ كبيرٌ في نشر كنوز الكتاب ونقل معارفه في لغة الهوسا إلى الجماهير النّاطقة بهذه اللّغة، وأوّل مَن يُذكر دورُه في هذا المضمار: الشّيخ أبو بكر محمود جومي ﵀ (ت١٤١٢هـ)، رائدُ الدّعوة السَّلفيّة في بلاد الهوسا وما جاورها، فقد كان لدروسه في ترجمة (صحيح البخاريّ) إلى لغة الهوسا - وكانت تُبثُّ في أكبر إذاعة في شمال نيجيريا، وهي إذاعةُ كادونا الفيدراليّة - أكبرُ أثرٍ في إحياء السُّنَّة المحمديّة، ومحاربة بِدع الصوفيّة التي عمّت ربوع بلاد الهوسا قبل بزوغ دعوة هذا الشّيخ. وقد بدأ الشّيخ أبو بكر جومي ﵀ بإلقاء الدّروس العِلمِيَّة
1 / 16
في جامع (السّلطان بللو) الّذي في ولاية كادونا عام ١٣٨١هـ الموافق ١٩٦١م في عهد أحمد بللو أوّل رئيس وزراء شمال نيجيريا رحمه الله تعالى، وكانت الدّروس تُقام في عهده في أيّام شهر رمضان المبارك. ولكن عام ١٩٧١م زاد الشّيخ من دروسه بهذا الجامع دروسًا في مساء يومي الجمعة والأحد، ثمّ تحولت فيما بعد إلى يَومي السّبت والأحد مساءً، ومن ضمن هذه الدّروس درسُه في (صحيح البخاري) في لغة الهوسا الّذي يُقام في يوم السبت كلّ أسبوع من السّاعة ٤،٣٠ إلى السّاعة ٦،٠٠ مساءً (١)، ويبث بعد ذلك في إذاعة كادونا.
وكان لهذا الدّرس أَثَرٌ كبير في معالجة قضايا دينيّة كثيرة، فقد كان الشّيخ ﵀ يَسعى جاهدًا في محاولة تقريب نصوص هذا الكتاب إلى أفهام العامّة، مع ربطها بِواقعهم الدِّيني واستنباط أحكامٍ شرعيَّةٍ وآدابٍ مرعيَّةٍ من خلال أحاديثه، والتّحذير مما يقع فيه كثير من المسلمين، ومنهم علماؤهم من مخالفة هدي رسول الله ﷺ. وقد جَذَبَتْ هذه الدّروس شريحةً عريضةً من المجتمع، واستطاع الشَّيخ بفضل الله أن يَخترق الحواجز الّتي وضعها علماءُ الصّوفية لإقصاءِ أتباعهم عن سَماع الحق ودعوة السُّنَّة؛ إذ أصبح هذا الدّرس يدخل بيوتهم من خلال تلك الإذاعة الشّهيرة الواسِعَةِ الانتشارِ، فكان ذلك بفضل الله تعالى عاملًا كبيرًا في نجاح دعوة الشّيخ ﵀ وتحقيق انتصارات كبيرةِ في حَربه ضدّ بدع الصوفيّة والتّقاليد المخالفةِ لشرع الله تعالى. وما زالت هذه الدّروس تُبثّ في تلك الإذاعة رَغْم رَحِيل الشَّيخ عن
_________
(١) انظر: «البحث عن أعمال الشيخ أبو بكر محمود جومي» (ص٣٩، ٤٠) .
1 / 17
هذه الحياة بأكثر من إحدى عشرة سنة، وهذا مصداقٌ لقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَايَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ﴾ [الرعد: ١٧]، وقد صدَق أحدُ زعماء الصّوفيّة وأكبرُ مُنَاوِئِي دعوةِ الشَّيخ حيثُ قال: «ذهب الشَّيخُ إلى ربِّه، لكنَّ شَبَحَه ما زال يُطاردنا» في الإشارة إلى دروسه التي استمرّ بثُّها في إذاعة كادونا الفيدراليّة.
وقد استطاع الشّيخ ﵀ أن يُنهيَ ترجمته لهذا الكتاب من خلال هذا الدّرس، نسأل الله أن يوفِّق من المسلمين من يَتَبَنّى جمعَ هذه الدُّروس ونسخَها وتحريرَها ثُمّ إخراجَها لجماهير المسلمين الذين يتحدّثون هذه اللّغة (الهوسا) لعلّ الله ينفع بها الإسلام والمسلمين.
وطريقة الشّيخ في عرض مادّة هذا الكتاب ما يلي:
أ- كان الشّيخ ﵀ يَفتتح دَرْسَهُ في هذا الكتاب دائمًا بعبارة حُفِظتْ عنه وهي: «دراسةُ الحديثِ والْعملُ به هو السّبيل الوحيد لتوفير الأمن والاستقرار بين الأمّة، فقد وعد الله هذه الأمةَ بأن لا يُهلكَها ما دام رسول الله ﷺ يَعيش بين ظهرانيهم، وما داموا يستغفرون الله تعالى فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] وَبعد وَفاة رسول الله ﷺ يكون التّمسك بحديثه هو السّبيل إلى ذلك» .
ب- ثُمّ يبدأ بقراءته في الكتاب من حيثُ وقف به الدَّرس، ويَقرأ الإسنادَ ولا يلوي على شيءٍ من مبهماته، ولا يَقف لاستجلاء غَوامِضه، أو حلّ معضلاتِه.
1 / 18
ج- يَقرأ متن الحديث، مترجِمًا لَه إلى لغة الهوسا جملةً جملةً، ولا يَقف لشرحه إلا بعد نهايتِه إن كان الحديثُ قصيرا، وإن كان طويلا يقفُ لبيان ما يتطلّب الموقفُ شرحَه، بل أحيانا تتداخله أسئلةُ الحاضرين، إذْ قد يمرّ موقف يحتاج فيه بعضُ السامعين إلى استفسارٍ واستيضاح، ولطول المتن لا يمكن الانتظارُ حتى ينتهي الحديثُ، فيسأل السّائل ويجيب الشّيخ عن سؤاله، وهكذا حتى ينتهي الحديثُ، ثم ينتقل إلى حديثٍ يليه.
د- قد يتعرّض الشّيخ إلى بعض المسائل الفقهيّة الواردة في الحديث مُبيِّنًا فيها ما ذهب إليه المذهب المالكي في المسألة، وقد يكون المذهبُ موافقًا وقد يكون مخالفًا لظاهر الحديث، وفي مُعظم الأوقات لا يقف الشّيخ لشرح وجهة نظر المالكية في مخالفتهم لظاهر النصّ وإنما يستمرّ كأنّه يَعرض الموقفَ فقط دون تعليقٍ، وأحيانًا يحصل له ترجيح مقتضى الحديث على المذهب، وإن كان ذلك نادرًا منه ﵀.
هـ- يَربط معاني الأحاديث بواقع المجتمع الهوساويّ ويبيّن ما يقع فيه النّاس من مخالفةٍ لتلك الأحاديث، وما يحدُث في الطّرق الصوفيّة من مناقضةٍ لها، وفي الغالب لا يتعدَّى الطُّرقَ الصُّوفيةَ الموجودة في بلاد الهوسا، وبخاصَّةٍ (الطريقة التيجانيّة، والطّريقة القادريّة) لأنّ أغلب من ينتسب للصوفيّة في مجتمعه إنما ينتسب إلى إحدى هاتين الطّريقتين، فكان تركيزُ الشيخ عليهما أكثر من غيرهما.
وكان الشّيخ يمتاز برحابة الصَّدر وسعتِه، فما كان يردّ سائلًا مهما كان السّائل جافًاّ معه، بل كان يُصغي إليه إصغاءً مهما كانت قوّة لهجة
1 / 19
المعارَضة، ثُمّ يجيب الشّيخ عن أسئلته دون أدنى تأنيف أو تأفّف (١) .
ولقوَّة تأثير الشّيخ ﵀ في سَامعي درسه هذا وغيره مِن دروسه أصبح بعض النّاشئين بَعده يقلِّدونه فيها أيَّما تقليدٍ، ولم يكتفوا بأخذ منهجه في التّدريس فحسب، بل زَادوا على ذلك تقليدَه في صَوته ونَبْرته ولهجته. وممن كان بهذه الحال: الشّيخ مختار غَبْطُو أحدُ طلاب العلم في ولاية تَرابَا شرقِ شمال نيجيريا، وكانت له دروسٌ مشهودة على صُورة دروس الشّيخ أبي بكر محمود جومي، منها درسُه في (صحيح البخاري)، يَعقده في بيته كلَّ مساء يومي السّبت والأحد كما كان يفعل الشّيخ، ويبثّ في إذاعة الولاية كما يُبثّ درسُ الشّيخ، ويقلِّده في نبرة صوته ولهجته وطريقة إلقائه للدرس وتفاعله مع الحاضرين.
الشّيخ الدّكتور: أحمد محمد إبراهيم - حفظه الله -:
وهو أيضًا ممن لهم دورٌ بارز في تدريس هذا الكتاب ونقله إلى لغة الهوسا عبر دروسه العِلمِيَّة؛ فقد أحيا د. أحمد - بحقٍّ - ما توقف بموت الشّيخ أبي بكر محمود جومي من دروسه في هذا الكتاب؛ إذْ لم يكن بعد الشّيخ من استمر في إلقاء دروس في هذا السّفر العظيم قبل الدكتور أحمد - فيما أعلم - وهو أحدُ قدامى خريجي الجامعة الإسلامية كليّة الحديث الشّريف، والتحق بجامعة بايرو كانُو مبتعثًا من قِبَل دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية؛ حيث واصل دراستَه في تلك الجامعة حَتّى حصل على (الدّكتوراه) في الدّراسات
(١) ولزميلنا وأخينا الفاضل: الشيخ محمد المنصور إبراهيم دراسة علميّة حول جُهود الشّيخ أبي بكر محمود جومي في الحديث النبويّ، نال بها درجةَ الماجستير في جامعة صكتو.
1 / 20