(15) لله يستهزئ بهم ويمدهم فى طغينهم يعمهون (16) أولئك لذين شتروا لضللة بلهدى فما ربحت تجرتهم وما كانوا مهتدين (17) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)
ويزداد حسن هذه الاستعارة في مقابلة قولهم انما نحن مستهزءون. واين عنها قول عمر بن كلثوم في معلقته :
ألا لا يجهلن احد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
( ويمدهم في طغيانهم ) يملي لهم ويمهلهم في تماديهم على طغيانهم مع حرمانهم التوفيق وهذا بمنزلة التفسير لما استعير له لفظ الاستهزاء ( يعمهون ) العمه هو العمى في الرأي والبصيرة والتردد في الضلال 15 ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) إذ كانوا ممن هيأ الله بألطافه لهم اسباب الاهتداء وجعل بلادهم محط بركة الهجرة ومشرق أنوار الوحي ومنار الدلائل والحجج قد أحاطت الألطاف بهم وتوارد عليهم الإرشاد في مصبحهم وممساهم وأجابوا دعوة الإسلام بلا إكراه حرب ولا إرهاب سيف. ولكن هذا الهدى الذي سعدوا بالقرب من موارده العذبة وثماره الجنية قد اشتروا به الضلالة. وان كل مشتر من العقلاء لا بد من ان يراعي منفعته بما اشتراه وغبطته بتجارته وهذا أول ما يطلب من الربح فيها. والربح نقيض الخسران ومن لم يربح في تجارته ولم يكن لما اشتراه منفعة فهو خاسر ويكفي هؤلاء من السفه إنهم اشتروا وتاجروا ( فما ربحت تجارتهم ) ولا نفع لهم فيما اشتروه فضلا عن وباله في الدنيا والآخرة ( وما كانوا مهتدين ) من أول الأمر لأنهم لم يظهروا الإسلام عن بصيرة وإيمان وإنما أظهروه لأغراض أخرى. وقيل وما كانوا مهتدين في تجارتهم والأول أظهر وأوفق بمقتضى الحال 17 ( مثلهم ) في حالهم ( كمثل الذي استوقد نارا ) وطلب وقودها لحاجته إلى الضياء ( فلما أضاءت ما حوله ) من النواحي وحان انتفاعه بنورها فيما يعنيه من أموره ذهب ذلك النور وعاد هذا المستوقد في ظلام دامس لا يبصر فيه شيئا وخبط عشواء لا يهتدي فيه سبيلا. وهؤلاء المنافقون المذكورون كانوا يتشرفون بحضرة الرسول (ص) ويستمعون إلى كلامه وحججه في بيانه ودلائله في إرشاده وتلاوته لكتاب الله فهم بذلك كمن استوقد نارا لهدى فلما أضاءت لهم بلطف الله مناهج الرشد ومغاني الحق تمردوا على الله بنفاقهم فخرجوا عن كونهم أهلا
Página 72