الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

Ragheb El-Sergany d. Unknown
88

الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

Géneros

الرد على من طعن في خلافة الصديق بسبب غضب علي والزبير والقضية الثانية هي: مسألة غضب علي والزبير ﵄ يوم المبايعة، تذكر الرواية أن عليًا والزبير ﵄ غضبا يوم المبايعة، والرواية رواية صحيحة فعلًا، فسيدنا علي وسيدنا الزبير غضبا يوم المبايعة فعلًا لكن لماذا غضبا؟ أشاع الحاقدون أن هذا كان بسبب اختيار أبي بكر الصديق ﵁ وأرضاه، وكانا -في ظن هؤلاء الحاقدين- يريان أن غيره أفضل. وطبعًا المقصود بغيره سيدنا علي بن أبي طالب، هكذا جاء في الرواية. لكن بالرجوع إلى نفس الرواية التي ذكرت غضبهما نجد أنها قد فسرت الغضب على محمل آخر، ومحمل مقبول، لكن المغرضين أخذوا ما يناسبهم من الرواية، وتركوا بقيتها. روى الحاكم وموسى بن عقبة في مغازيه بسند صحيح -كما صححه ابن كثير ﵀ عن عبد الرحمن بن عوف ﵁ أنه قال: قال الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب ﵄: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها؛ إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وكبره، ولقد أمره رسول الله ﷺ أن يصلي بالناس وهو حي. وهذا كلام في منتهى الوضوح، والغضب لم يكن لأن أبا بكر الصديق ﵁ وأرضاه تولى الخلافة، بل الغضب كان لأن المشورة في اختيار الخليفة تمت في غيابهما، وطبعًا هذا أمر مفهوم ومقبول؛ لأنهما كانا من أهم الصحابة، بل من الطبيعي أن يغضب بقية المهاجرين لهذا الأمر؛ لأنهم جميعًا لم يحضروا هذا الحدث الهام، ولاشك أن كثيرًا منهم من أهل الرأي والمشورة، وكان ينبغي لهم أن يكونوا حضورًا في هذا الحدث الهام، حدث اختيار الخليفة، ولا يكتفى بثلاثة فقط من المهاجرين، هذا عذرهم، لكن تعال ننظر إلى الجانب الثاني. في الجانب الآخر: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة كانوا معذورين في هذا الأمر، كانوا معذورين في أن كل المهاجرين غابوا عن الحدث، فنحن رأينا الأحداث التي تمت، ورأينا كيف أن أبا بكر الصديق وعمر كانا في بيت رسول الله ﷺ وقت اجتماع الأنصار وجاء إليهما رجل فأخبرهما بالخبر، فقاما إلى الأنصار على غير إعداد ولا تحضير، وهما ذاهبان في الطريق رأيا سيدنا أبا عبيدة بن الجراح فأخذاه معهما على غير اتفاق، وذهبوا جميعًا إلى السقيفة. وهناك في السقيفة -كما رأينا أيضًا- تسارعت الأحداث بشدة، وكان يخشى إن لم يتم اختيار خليفة في ذلك الوقت أن تحدث فتنة في المدينة، وأن يكثر القيل والقال والخلاف والتفرق، ونحن رأينا الذي حصل، ويمكن أن يكون القصد منه استثناء المهاجرين من الحضور، لكن الذي حصل سرعة التقاء الأنصار، ونحن ذكرنا ما يبرر هذه السرعة التي أدت إلى هذه النتيجة العاجلة. ويبدو أن بعض المهاجرين أيضًا غير الزبير وغير علي كانوا يجدون في أنفسهم، يعني: كانوا غاضبين لهذا السبب الذي ذكره علي بن أبي طالب والزبير بن العوام. والصديق يقوم ثاني يوم يخطب في المهاجرين، وكلام الصديق ﵁ وأرضاه يطيب خاطر المهاجرين، روى موسى بن عقبة والحاكم بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف ﵁ قال: خطب أبو بكر الصديق ﵁ في المهاجرين فقال: ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة، ولا سألتها في سر ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، لقد قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله، يقول عبد الرحمن بن عوف: فقبل المهاجرون مقالته. والمهاجرون لا يحتاجون لهذه المقالة حتى يطمئنوا لـ أبي بكر؛ فهم يعرفون صدق الصديق وزهده ومكانته وقدره وإيمانه، ولو أخذت آراءهم جميعًا ما اختاروا غير الصديق ﵁ وأرضاه، لكن الصديق رجل يريد أن يقطع الشك باليقين، ويقتل الفتنة في مهدها، ويسترضي أصحابه مع كونه لم يكن مخطئًا في استثنائهم، بل كان مضطرًا. وبهذا وضح لنا أن إسراع الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة لم يكن اجتهادًا مصيبًا منهم، فها هي آثار ورواسب ذلك حدثت في نفوس المهاجرين، مع أن الخليفة أبا بكر منهم فكيف لو كان من غيرهم؟ نعود ونؤكد أن هذه الرواسب لم تكن لأمور قبلية أو عصبية أو اعتراض على الاختيار، ولكن المهاجرين وجدوا في أنفسهم؛ لاستبعاد رأيهم في هذه القضية الخطيرة.

8 / 8