الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Géneros
فتنة الردة بعد موت النبي ﷺ
ومع كل هذه الفتن لم تكن هذه هي الفتن الوحيدة الموجودة في هذه الفترة، بل كان هناك فتن أخرى عظيمة وخطيرة، فالأعداد المهولة التي دخلت في الإسلام حديثًا لم تتلق تربية كافية في محضن الرسول ﷺ، بل إن كثيرًا منهم دخل الإسلام طمعًا في المال والثراء، كطائفة المؤلفة قلوبهم، فقد ألف رسول الله ﷺ قلوبهم بالمال والغنائم حتى يدخلوا في الإسلام.
وتعالوا نراجع بعض الأرقام: كان فتح مكة سنة (٨) من الهجرة، فتح مكة (١٠.
٠٠٠) مؤمن بقيادة الرسول ﷺ، وبعدها بقليل كانت حنين والطائف، وكانت الغنائم وفيرة جدًا، وأعطى رسول الله ﷺ رءوس القوم، وأعطى عوام الناس، وأعطى وأعطى حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، ذكر ذلك ربنا ﷿ في كتابه الكريم: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ [النصر:١ - ٢].
وبعد فتح مكة بحوالي سنة واحدة فقط كانت غزوة تبوك سنة (٩) من الهجرة، وكان جيش المسلمين (٣٠.
٠٠٠) مسلم غير المنافقين الذين تخلفوا عن الغزو، فتضاعف الرقم من سنة (٨) هـ إلى (٩) هـ ثلاث مرات، وهو تضاعف كبير في هذه الفترة الوجيزة.
وأعجب من ذلك في حجة الوداع سنة (١٠) من الهجرة بعد غزوة تبوك بسنة واحدة حدث تضاعف مهول في عدد المسلمين، حيث حج مع رسول الله ﷺ أكثر من (١٠٠.
٠٠٠) مسلم، هذا غير عشرات الآلاف من الذين دخلوا الإسلام في قبائلهم البعيدة عن المدينة ولم يسعدوا برؤية الرسول ﷺ.
هذه الآلاف المؤلفة من المسلمين الذين ارتبطوا بالإسلام فقط منذ شهور ولم يسمعوا من رسول الله ﷺ إلا الكلمات القليلات، وبعضهم لم يره أصلًا، وبعضهم دخل لأجل المال، وبعضهم دخل لأجل الخوف من القوة الإسلامية الناشئة، وكلهم حديث عهد بجاهلية وإشراك.
هذه العوامل جميعًا وغيرها جعلتهم على خطر عظيم وبالذات إذا وصل إليهم نبأ وفاة الرسول ﷺ.
ترى ماذا سيكون رد فعلهم؟ أتراهم يتشككون في أمر الرسالة؟ أتراهم يعتقدون أن الخروج عن جماعة المسلمين أصبح أمرًا ميسورًا؟ أتراهم يرتدون على أعقابهم ويعودون إلى جاهليتهم وشركهم؟ كل هذه الاحتمالات واردة، ولا شك أن الصحابة في المدينة كانوا يفكرون في هؤلاء القوم، ويتسمعون أخبارهم، ويخافون من ردتهم عن الإسلام، هذه المشاعر المتزاحمة من قلق وخوف وتربص وحيرة زادت الأزمة في المدينة تفجرًا واضطرابًا، ولا شك أن هذا زاد من ظلمة المدينة بعد غياب النور المبين محمد ﷺ.
إنها فتنة مظلمة أخرى تحيط بالصحابة، فتنة الردة الفعلية لبني حنيفة ولأهل اليمن، وقد جاءت الأنباء قبل وفاة رسول الله ﷺ بظهور من يدعي النبوة في هذه البلاد، فقد ظهر مسيلمة الكذاب في بني حنيفة في اليمامة شرق الجزيرة، وظهر في اليمن الأسود العنسي، وتبع هذا وذاك آلاف مؤلفة قبلية وعصبية وجهل وشك وكبر وسفه، تبع مسيلمة وحده ما يزيد على، (٤٠٠٠٠) مرتد، هؤلاء كانوا مع مسيلمة الكذاب قبل وفاة رسول الله ﷺ، وهؤلاء مرتدون بالفعل، ومن المؤكد أنهم يتربصون بالمدينة الدوائر، ومن أدرى الصحابة أنهم لا يعدون العدة لغزو المدينة ولاستئصال الإسلام من جذورة، فهذا خطر داهم، لا شك أن الصحابة كانوا يترقبونه.
6 / 7