الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Géneros
سبق الصديق إلى الإسلام
أول ما يلفت الأنظار إلى الصديق ﵁ سبقه إلى الإسلام.
من المعروف أنه أول رجل أسلم، ما تردد وما نظر، وما قال: آخذ يومًا أو يومين أفكر، بل أسرع إليه إسراعًا، وهذا الأمر لافت للنظر جدًا، وهو ما سيغير الشغل أو يغير بيته أو حتى يغير بلده، بل سيغير عقيدته التي عاش عليها ٣٨سنة، فـ الصديق لما أسلم كان عمره ٣٨سنة.
أحيانًا بعض الرجال يعتقدون أن من الحكمة التروي جدًا جدًا في الأمر وعدم التسرع، وأخذ الوقت الطويل في التفكير قبل الإقدام على أي خطوة من خطوات الحياة، وبالذات لو كانت خطوة مصيرية، هذا قد يكون صوابًا في بعض الأحيان، ولكن في أحيان أخرى عندما يكون الحق واضحًا جليًا مضيئًا كالشمس في كبد السماء يصبح التروي حينئذ حماقة، وتصبح الأناة كسلًا، وتصبح كثرة التفكير مذمة، هذا حدث مع قوم نوح، حدثنا ربنا ﷿ في كتابه الكريم عنهم، قال ﷿ على لسان قوم نوح: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ [هود:٢٧] يعني: أولئك الذين يبدون آراءهم لأول وهلة دون تفكير ولا تمحيص هم الذين اتبعوك يعني: يلومونهم أنهم أسرعوا للإيمان مع نوح ﵊ دون أن يترووا ودون أن يفكروا.
وسبحان الله! هؤلاء كمن يقول للآخر: ما رأيك في الشمس هل طلعت؟ فيسأل عنها فيقول: دعوني أفكر وأتروى، ويقول: يا ترى هل طلع وإلا ما طلع.
وما رأيكم في واحد عطشان وعلى حافة الهلكة ورأى نبعًا صافيًا سلسبيلًا في الصحراء، يا ترى لو قعد وقال سآخذ يومًا أو يومين أفكر هل أشرب أو لا أشرب؟ ولو قعد يفكر يومًا أو يومين سيموت قبل أن يشرب، والذي يحصل مع أناس كثير ويحصل معنا أيضًا كثيرًا أننا نفكر في الخير، فنظل نفكر في الخير اليوم واليومين والثلاثة والشهر والسنة، وثم نموت قبل أن نفعل هذا الخير.
فـ الصديق ﵁ وأرضاه كان في عطش الجاهلية، فرأى نبع الإسلام فلماذا لا يشرب؟ كان الصديق ﵁ وأرضاه يرى الحق بهذه الصورة تمامًا فلماذا التردد والانتظار؟ والتردد ليس من الحكمة في هذه الأمور، وهو الرجل الحكيم العاقل عرض عليه الإسلام غضًا طريًا واضحًا من فم رسول الله ﷺ فأنار الله قلبه بنور الهداية، فلماذا لا يسلم؟ ولماذا لا يتبع الحق من أول وهلة؟ روى البخاري عن أبي الدرداء ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (هل أنتم تاركو لي صاحبي؟) قالها مرتين ﷺ وذلك لما حدث خلاف ذات مرة بين الصديق ﵁ وبين أحد الصحابة ﵃ أجمعين، فلماذا هذه المكانة العالية للصديق عند رسول الله ﷺ؟ انظروا إلى المسوغات: قال رسول الله ﷺ: (إني قلت: أيها الناس! إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت).
إذًا: هي فضيلة ولاشك أن أسرع للإسلام هذا الإسراع! ومرت الأيام، وصدق أولئك الذين كذبوا من قبل، لكن كان أبو بكر الصديق هو الفائز في الأجر والسبق.
ومن الناس من صدق بعد أيام من سماع الدعوة، ومنهم من آمن بعد شهور، ومنهم من آمن بعد سنوات، ومنهم من انتظر حتى تم الفتح ثم آمن، الجميع آمن، والجميع صدق، لكن الصديق فاز بها، قال ﷿: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الواقعة:١٠ - ١٢].
فالأيام التي تمر لا تعود أبدًا إلى يوم القيامة، ولاشك أن أولئك الذين تأخر إسلامهم أيامًا وشهورًا وسنوات كانت الحسرة تأكل قلوبهم على أيام ضاعت في ظلمات الكفر، لكن الحسرة ما أعادت الأيام، ونحن أيضًا نتحسر على الأيام التي ما قدمنا فيها عملًا صالحًا لأنفسنا، والأيام تمر، ولاشك أن الذي سارع إلى الخيرات استمتع بهذه الأيام التي قضاها في الإيمان.
وفي النهاية مرت الأيام على هذا وعلى ذاك.
ونحن لا نقول هذا الكلام للتاريخ، نحن في واقعنا وحياتنا كثيرًا ما نتردد في أعمال الخير، ونؤجل يومًا أو يومين، ثم نفعل الخير بعد ذلك، أو لا نفعله، فمرت الأيام وضاع السبق، قال ﷿: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد:١٠].
الأعمال لها أجران: أجر العمل ذاته، وأجر السبق فيه.
وقد يكون أجر السبق أعظم من أجر العمل ذاته؛ لأنه يكون بمثابة السنة الحسنة التي تسنها لغيرك فيقلدك فيها.
روى الإمام مسلم ﵀ عن جرير بن عبد الله
3 / 3