الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٤، ٥] وقد اختلف السلف في معنى السهو عنها، فقال سعد بن أبي وقاص، ومسروق بن الأجدع، وغيرهما: هو تركها حتى يخرج وقتها.
روي في ذلك حديث مرفوع، قال محمد بن نصر المروزي: حدثنا
سفيان (^١) بن أبي شيبة، حدثنا عكرمة بن إبراهيم، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: "أنه سأل النبي ﷺ عن الذين هم عن الصلاة ساهون، قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" (^٢).
وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، قال: "قلت: لأبي يا أبتا أرأيت قول الله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت" سنن البيهقي (^٣).
وقال حيوة بن شريح: أخبرني أبو صخر، أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قال: هو تاركها. ثم سأله عن الماعون قال: منع المال عن حقه.
إذا عرف هذا، فالوعيد بالويل اطَّرد في القرآن للكفار، كقوله: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ٦، ٧] وقوله: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا - إلى قوله - مُهِينٌ﴾ [الجاثية: ٧، ٨]، وقوله: ﴿وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ٢]، إلا في موضعين وهما ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] و﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١]، فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز، وهذا لا يكفر به بمجرده، فويل تارك الصلاة إما أن يكون ملحقا بويل الكفار أو بويل الفساق، فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين:
الأول: أنه قد صح عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال: "لو تركوها لكانوا كفارا ولكن ضيعوا وقتها" (^٤).
الثاني: ما سنذكر من الأدلة على كفره يوضّحه:
الدليل الخامس: وهو قوله سبحانه: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩].
قال عبد الله بن مسعود:
"غي: واد في جهنم بعيد القعر" (^٥).
فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات، ولو كان مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، ولم