(وَقَدْ جَرَى عَلَى الْوَعْدِ فِي مَبْدَإِ بِدَايَةِ الْمُبْتَدِي أَنْ أَشْرَحَهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْحًا أَرْسُمُهُ «بِكِفَايَةِ الْمُنْتَهِي»، فَشَرَعْت فِيهِ وَالْوَعْدُ يَسُوغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ، وَحِينَ أَكَادُ أَتَّكِئُ عَنْهُ اتِّكَاءَ الْفَرَاغِ)
- قوله: (والوعد يُسَوَّغُ بعض المساغ) أي: يجوز بعض التجويز لا كله، ووجهه: إني شرعت في شرح «البداية» الذي هو موسوم بـ «كفاية المنتهي» بسبب وعدٍ جرى عَليَّ حال شروع تصنيف «بداية المبتدي»، وقد تصدى عليَّ حالتان متنافيتان حال إرادة ابتداء الشروع في الشرح:
إحداهما: تقتضي الإنجاز، وهي أن الخلف في الوعد مذموم شرعًا، وهو من علامات النفاق في الحديث: «ثَلاثٌ مِن عَلامَاتِ النِّفَاق: إِذا وَعَدَ أخلف، وإِذا اؤتُمِنَ خان، وإذَا حدَّثَ كَذَبَ» (^١).
والثانية: تقتضي الامتناع، [وهي] (^٢) أن التصنيف شيء عظيم الشأن بعيد الشأو (^٣) عميق القعر، لا يسلم فيه كل سابح، ولا يغلب كل رامح، ولا يرضي كل أحد بأن يصير مستهدفًا لرشق الطاعنين، والأصل في المتعارضين العمل بقدر الإمكان [وفي القول ببعض التجويز عمل بهما بقدر الإمكان] (^٤) إذ في ترجيح أحدهما إبطال الآخر لا محالة فكان هذا من المصنف: هضم النفس، ورؤية انحطاط رتبته.
ثم قوله: (والوعد يسوغ بعض المساغ) محله النصب على أنه جملة حالية من التاء في (فشرعت) من غير ضمير راجع منها إليه كما في قولك: أتيتك والجيش قادم.
أتكئ عنه. عدَّى الاتكاء بعن وإن كان هو يعد بعلى لتضمين معنى الفراغ كما في قوله تعالى: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: ٢٦٠] على تضمين معنى الإمالة.