Al-Mulakhas fi Sharh Kitab al-Tawheed
الملخص في شرح كتاب التوحيد
Número de edición
الأولى ١٤٢٢هـ
Año de publicación
٢٠٠١م
Géneros
ـ[الملخص في شرح كتاب التوحيد]ـ
المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
دار النشر: دار العاصمة الرياض
الطبعة: الأولى ١٤٢٢هـ- ٢٠٠١م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
Página desconocida
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعدُ:
فهذا شرح موجز على كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀، كتبته على الطريقة المدرسية الحديثة، ليكون أقرب إلى أفهام المبتدئين. وأرجو الله أن ينفع به، ويكون إسهامًا في نشر العلم وتصحيح العقيدة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان.
1 / 5
نبذة موجزة عن حياة المؤلف
نسبه:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي، من آل مشرفٍ من قبيلة بني تميم المشهورة، وإمام الدعوة السلفية في نجد وغيرها.
نشأته وعلمه:
ولد في بلدة العيينة قرب مدينة الرياض سنة ١١١٥هـ، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، وتتلمذ على والده قاضي العيينة في وقته، وعلى غيره من مشاهير علماء نجد، والمدينة، والأحساء، والبصرة، فأدرك علمًا غزيرًا أهَّله للقيام بدعوته المباركة، في وقت انتشرت فيه البدع والخرافات، والتبرك بالقبور والأشجار والأحجار، فقام ﵀ بالدعوة إلى تصحيح العقيدة وإخلاص العبادة لله وحده، وألَّف عدة كتب من أشهرها هذا الكتاب: (كتاب التوحيد)، فقد لقي قبولًا عظيمًا لدى العلماء والمتعلمين، واعتنوا به دراسةً وشرحًا؛ فهو كتابٌ بديع الوضع عظيم الفائدة، نفع الله به خلقًا كثيرًا.
وقد بقي الشيخ طيلة حياته معلمًا؛ وداعيًا إلى الله تعالى، آمرًا بالمعروف، وناهيًا عن المنكر، إلى أن توفي في الدرعية قرب مدينة الرياض سنة ١٢٠٦هـ، وقد تخرج على يده عدد كبير من العلماء وأئمة الدعوة. أجزل الله له الأجر والثواب، وجعل الجنة مثواه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
1 / 7
كتاب التوحيد
وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] .
ــ
موضوع هذا الكتاب: بيان التوحيد الذي أوجبه الله على عباده، وخلَقهم لأجله وبيان ما ينافيه من الشرك الأكبر، أو ينافي كماله الواجب أو المستحب من الشرك الأصغر والبدع.
ومعنى كتاب: مصدر كَتَبَ بمعنى جمع، والكتابة بالقلم جمع الحروف والكلمات.
والتوحيد: مصدرُ وحّده، أي جعله واحدًا -والمراد به هنا: إفراد الله بالعبادة.
وخلقت: الخلق هو إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء.
ليعبدون: العبادة في اللغة: التذلّل والخضوع. وشرعًا: اسمٌ جامعٌ لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
والمعنى الإجمالي للآية: أن الله -تعالى- أخبر أنه ما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، فهي بيانٌ للحكمة في خلقهم، فلم يرد منهم ما تريده السادة من عبيدها من الإعانة لهم بالرزق والإطعام، وإنما أراد المصلحة لهم.
ومناسبة الآية للباب: أنها تدل على وجوب التوحيد، الذي هو
1 / 9
إفراد الله بالعبادة. لأنه ما خلق الجن والإنس إلا لأجل ذلك.
ما يستفاد من الآية:
١- وجوب إفراد الله بالعبادة على جميع الثّقلين؛ الجن والإنس.
٢- بيان الحكمة من خلق الجن والإنس.
٣- أن الخالق هو الذي يستحق العبادة دون غيره ممن لا يخلُق، ففي هذا ردٌّ على عُبّاد الأصنام.
٤- بيان غنى الله ﷾ عن خلقه وحاجة الخلق إليه، لأنه هو الخالق، وهم مخلوقون.
٥- إثبات الحكمة في أفعال الله سبحانه.
* * *
1 / 10
وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] .
ــ
بعثْنا: أرسلنا.
كل أمّة: كل طائفةٍ وقرنٍ وجيلٍ من الناس.
رسولًا: الرسول: من أُوحي إليه بشرعٍ، وأُمر بتبليغه.
اعبدوا الله: أفردوه بالعبادة.
واجتنبوا: اتركوا، وفارقوا.
الطاغوت: مشتقٌّ من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، فكل ما عُبد من دون الله - وهو راض بالعبادة - فهو طاغوت.
المعنى الإجمالي للآية: أن الله سبحانه يخبر أنه أرسل في كل طائفة وقرن من الناس رسولًا، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، فلم يزل يُرسل الرسل إلى الناس بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في عهد نوح إلى أن ختمهم بمحمد ﷺ.
مناسبة الآية للباب: أن الدعوة إلى التوحيد والنهيَ عن الشرك هي مهمة جميع الرسل وأتباعهم.
ما يُستفاد من الآية:
١- أن الحكمة من إرسال الرسل هي الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك.
٢- أن دين الأنبياء واحد، وهو إخلاص العبادة لله وترك الشرك وإن
1 / 11
اختلفت شرائعهم.
١- أن الرسالة عمّت كل الأمم، وقامت الحجة على كل العباد.
٢- عظم شأن التوحيد، وأنه واجبٌ على جميع الأمم.
٣- في الآية ما في (لا إله إلا الله) من النفي والإثبات، فدلت على أنه لا يستقيم التوحيد إلا بهما جميعًا، وأن النفي المحض ليس بتوحيد، والإثبات المحض ليس بتوحيد.
* * *
1 / 12
وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] الآية (١) .
ــ
قضى: أمر ووصّى، والمراد بالقضاء هنا القضاء الشرعيّ الدينيّ، لا القضاء القدريّ الكونيّ.
ربك: الرب هو المالك المتصرف، الذي ربى جميع العالمين بنعمته.
ألا تعبدوا إلا إياه: أي أن تعبدوه ولا تعبدوا غيره.
وبالوالدين إحسانًا: أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحسانًا، كما قضى أن تعبدوه، ولا تعبدوا غيره.
المعنى الإجمالي للآية: الإخبار أن الله ﷾ أمر ووصّى على ألسُن رسله أن يُعبد وحده دون ما سواه، وأن يحسن الولد إلى والديه إحسانًا بالقول والفعل، ولا يسيء إليهما؛ لأنهما اللذان قاما بتربيته في حال صِغره وضعفه، حتى قوِي واشتد.
مناسبة الآية للباب: أن التوحيد هو آكد الحقوق وأوجب الواجبات؛ لأن الله بدأ به في الآية، ولا يبتدأ إلا بالأهم فالأهم.
_________
(١) فعن أبي بكرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" ثلاثًا. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين" وجلس وكان متكئًا، فقال: "ألا وقول الزور" قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
أخرجه البخاري برقم (٢٦٥٤) ومسلم برقم (٨٧) .
1 / 13
ما يستفاد من الآية:
١- أن التوحيد هو أول ما أمر الله به من الواجبات، وهو أول الحقوق الواجبة على العبد.
٢- ما في كلمة (لا إله إلا الله) من النفي والإثبات، ففيها دليلٌ على أن التوحيد لا يقوم إلا على النفي والإثبات: (نفي العبادة عما سوى الله وإثباتها لله)، كما سبق.
٣- عظمة حق الوالدين حيث عطف حقهما على حقه، وجاء في المرتبة الثانية.
٤- وجوب الإحسان إلى الوالدين بجميع أنواع الإحسان، لأنه لم يخص نوعًا دون نوع.
٥- تحريم عقوق الوالدين.
* * *
1 / 14
وقوله: ﴿وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ...﴾ الآية [النساء: ٣٦] .
ــ
لا تشركوا: اتركوا الشرك، وهو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله.
شيئًا: نكرةٌ في سياق النهي، فتعم الشرك: كبيرَه وصغيره.
المعنى الإجمالي للآية: يأمر الله -سبحانه- عباده بعبادته وحده لا شريك له، وينهاهم عن الشرك، ولم يخصّ نوعًا من أنواع العبادة، لا دعاءً ولا صلاةً ولا غيرهما، ليعمّ الأمر جميع أنواع العبادة، ولم يخص نوعًا من أنواع الشرك، ليعم النهي جميع أنواع الشرك.
مناسبة الآية للباب: أنها ابتدأت الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، ففيها تفسير التوحيد بأنه عبادة الله وحده وترك الشرك.
ما يستفاد من الآية:
١- وجوب إفراد الله بالعبادة، لأن الله أمر بذلك أولًا، فهو آكد الواجبات.
٢- تحريم الشرك، لأن الله نهى عنه، فهو أشد المحرمات.
٣- أن اجتناب الشرك شرطٌ في صحة العبادة، لأن الله قرن الأمر بالعبادة بالنهي عن الشرك.
٤- أن الشرك حرامٌ قليله وكثيره، كبيره وصغيره، لأن كلمة شيئًا نكرةٌ في سياق النهي، فتعم كل ذلك.
٥- أنه لا يجوز أن يشرك مع الله أحدٌ في عبادته، لا ملكٌ ولا نبيٌ ولا صالحٌ من الأولياء ولا صنمٌ؛ لأن كلمة (شيئًا) عامة.
1 / 15
وقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾ الآيات [الأنعام: ١٥١، ١٥٣] (١) .
ــ
تعالوا: هلمّوا وأقبلوا.
أتل: أقصص عليكم وأُخبركم.
حرّم: الحرام الممنوع منه، وهو ما يُعاقب فاعله ويثاب تاركه.
الآيات: أي إلى آخر الآيات الثلاث من سورة الأنعام. من قوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾ إلى قوله في ختام الآية الثالثة: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ .
المعنى الإجمالي للآية: يأمر الله نبيه أن يقول لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله، وحرّموا ما رزقهم الله، وقتلوا أولادهم تقرُّبًا للأصنام، فعلوا ذلك بآرائهم وتسويل الشيطان لهم: هلمّوا أقصّ عليكم ما حرّم خالقكم ومالككم تحريمًا حقًا لا تخرّصًا وظنًا، بل بوحي منه، وأمرٍ من عنده، وذلك فيما وصاكم به في هذه الوصايا العشر، التي هي:
_________
(١) فعن عبادة بن الصامت ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "من يبايعني على هؤلاء الآيات" ثم قرأ: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ حتى ختم الآيات الثلاث "فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص شيئًا أدركه الله بها في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخر إلى الآخرة كان أمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا غفر له".
أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/٣١٨) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأصل الحديث متفق عليه بدون ذكر الآيات، فقد أخرجه البخاري برقم (٨) ومسلم برقم (١٧٠٩) .
1 / 16
أولًا: وصاكم ألا تشركوا به شيئًا، وهذا نهيٌ عن الشرك عمومًا، فشمل كل مشرك به من أنواع المعبودات من دون الله، وكل مشرك فيه من أنواع العبادة.
ثانيًا: ووصاكم أن تحسنوا بالوالدين إحسانًا، ببرهما وحفظهما وصيانتهما وطاعتهما في غير معصية الله، وترك الترفّع عليهما.
ثالثًا: وصاكم أن لا تقتلوا أولادكم من إملاق، أي لا تئدوا بناتكم، ولا تقتلوا أبناءكم خشية الفقر، فإن رازقكم ورازقهم، فلستم ترزقونهم، بل ولا ترزقون أنفسكم.
رابعًا: ووصاكم أن لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، أي المعاصي الظاهرة والخفية.
خامسًا: ووصاكم أن لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها، وهي النفس المؤمنة والمعاهدة إلا بالحق، الذي يبيح قتلها من قصاص أو زنًا بعد إحصان أو ردة بعد إسلام.
سادسًا: ووصاكم أن لا تقربوا مال اليتيم –وهو الطفل الذي مات أبوه- إلا بالتي هي أحسن من تصريفه بما يحفظه، وينَمِّيه له حتى تدفعوه إليه حين يبلغ أشدّه، أي: الرشد وزوال السّفَه مع البلوغ.
سابعًا: ﴿وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ أي: أقيموا العدل في الأخذ والإعطاء حسب استطاعتكم.
ثامنًا: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ .
أمر بالعدل في القول على القريب والبعيد بعد الأمر بالعدل في الفعل.
تاسعًا: ﴿وَبِعَهْدِ اللهِ﴾ أي: وصيته التي وصاكم بها ﴿أَوْفُواْ﴾،
1 / 17
أي انقادوا لذلك بأن تطيعوه فيما أمر به ونهى عنه، وتعملوا بكتابه وسنة نبيه.
عاشرًا: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ .
أي: الذي أوصيتكم به في هاتين الآيتين من ترك المنهيات، وأعظمها الشرك. وفعل الواجبات، وأعظمها التوحيد، هو الصراط المستقيم.
﴿فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ﴾ البدع والشبهات.
﴿فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ . تميل وتشتت بكم عن دينه.
مناسبة الآيات للباب: أن الله –سبحانه ذكر فيها جُمَلًا من المحرّمات ابتدأها بالنهي عن الشرك، والنهي عنه يستدعي الأمر بالتوحيد بالاقتضاء، فدل ذلك على أن التوحيد أوجب الواجبات، وأن الشرك أعظمُ المحرمات.
ما يستفاد من الآيات:
١- أن الشرك أعظم المحرمات، وأن التوحيد أوجب الواجبات.
٢- عظم حق الوالدين.
٣- تحريم قتل النفس بغير حق، لا سيما إذا كان المقتول من ذوي القربى.
٤- تحريم أكل مال اليتيم، ومشروعية العمل على إصلاحه.
٥- وجوب العدل في الأقوال والأفعال على القريب والبعيد.
٦- وجوب الوفاء بالعهد.
٧- وجوب اتباع دين الإسلام وترك ما عداه.
٨- أن التحليل والتحريم حقٌّ لله.
1 / 18
قال ابن مسعود ﵁: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ﷺ التي عليها خاتَمُه فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ (١) (٢) الآية [الأنعام: ١٥١- ١٥٣] .
ــ
ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذَلي، صحابي جليل من السابقين الأولين، من كبار علماء الصحابة، لازم النبي ﷺ، وتوفي سنة ٣٢هـ.
وصية: هي الأمر المؤكد المقرر.
خاتمه: الخاتم بفتح التاء وكسرها: حلقةٌ ذات فص من غيرها، وختمتُ على الكتاب بمعنى طبَعت.
المعنى الإجمالي للأثر: يذكر ابن مسعود ﵁: أن
_________
(١) أخرجه الترمذي برقم (٣٠٨٠) والطبراني في معجمه الأوسط برقم (١٢٠٨) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
(٢) وعن ابن مسعود ﵁ قال: خط لنا رسول الله ﷺ خطًا، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطًا، ثم قال: "هذا سبيل الله، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ .
أخرجه أحمد في المسند (١/٤٣٥، ٤٦٥) وابن حبان في صحيحه (١/١٠٥) برقم (٦، ٧) والحاكم (٢/٣١٨)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/٢٢): رواه أحمد والبزار، وفيه عاصم ابن بهدلة وهو ثقة، وفيه ضعف.
1 / 19
الرسول –ﷺ لو وصى لم يوص إلا بما وصى به الله تعالى، فإن الله قد وصى بما في هذه الآيات، لأنه سبحانه قد ختم كل آية منها بقوله: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ﴾، وإنما قال ابن مسعود ذلك لمَّا قال ابن عباس ﵄: إن الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين أن يكتب لنا رسول الله –ﷺ وصيته، فذكّرهم ابن مسعود –﵁ أن عندهم من القرآن ما يكفيهم، فإن النبي –ﷺ لو وصّى لم يوص إلا بما في كتاب الله.
مناسبة هذا الأثر للباب: بيان أن ما ذُكر في هذه الآيات كما هو وصية الله فهو وصية رسوله –ﷺ، لأن الرسول –ﷺ يوصي بما أوصى الله به.
ما يستفاد من قول ابن مسعود:
١- أهمية هذه الوصايا العشر.
٢- أن الرسول –ﷺ يوصي بما أوصى به الله، فكل وصية لله فهي وصية لرسوله –ﷺ.
٣- عمق علم الصحابة، ودقة فهمهم لكتاب الله.
* * *
1 / 20
وعن معاذ بن جبل ﵁ قال: كنت رديف النبي ﷺ على حمار فقال لي: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا" قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا" أخرجاه في الصحيحين (١) .
ــ
معاذ: هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن كعب بن عمرو الخزرجي الأنصاري صحابيٌّ جليل مشهور من أعيان الصحابة، وكان متبحرًا في العلم والأحكام والقرآن، شهد غزوة بدر وما بعدها واستخلفه النبي ﷺ على أهل مكة يوم الفتح يعلمهم دينهم ثم بعثه إلى اليمن قاضيًا ومعلمًا مات بالشام سنة ١٨هـ وله ٣٨ عامًا.
رديف: الرديف هو الذي تحمله خلفك على ظهر الدابة.
أتدري؟: هل تعرف؟
حق الله: ما يستحقه ويجعله متحتمًا على العباد.
حق العباد على الله: ما كتبه على نفسه تفضلًا منه وإحسانًا.
أبشر الناس: أخبرهم بذلك ليُسروا به.
_________
(١) أخرجه البخاري برقم (٢٨٥٦) ومسلم برقم (٣٠) .
وفي رواية: "وأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا" عند البخاري برقم (١٢٨) ومسلم رقم (٣٢) .
وجاء في فتح المجيد (ص٢٨٩) قال الوزير أبو المظفر: لم يكن يكتمها إلا عن جاهل يحمله جهله على سوء الأدب بترك الخدمة في الطاعة
1 / 21
يتّكلوا: يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنافس في الأعمال الصالحة.
المعنى الإجمالي للحديث: أن النبي –ﷺ أرد أن يبين وجوب التوحيد على العباد وفضله، فألقى ذلك بصيغة الاستفهام، ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم، فلما بيّن لمعاذ فضل التوحيد، استأذنه معاذ أن يخبر بذلك الناس ليستبشروا، فمنعه النبي –ﷺ من ذلك خوفًا من أن يعتمد الناس على ذلك فيقلِّلوا من الأعمال الصالحة.
مناسبة الحديث للباب: أن فيه تفسير التوحيد بأنه عبادة الله وحده لا شريك له.
ما يستفاد من الحديث:
١- تواضع النبي –ﷺ حيث ركب الحمار وأردف عليه. خلافَ ما عليه أهل الكبر.
٢- جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك.
٣- التعليم بطريقة السؤال والجواب.
٤- أن من سُئل عما لا يعلم فينبغي له أن يقول: الله أعلم.
٥- معرفة حق الله على العباد وهو أن يعبدوه وحده لا شريك له.
٦- أن من لم يتجنب الشرك لم يكن آتيًا بعبادة الله حقيقة ولو عبده في الصورة.
٧- فضل التوحيد وفضل من تمسك به.
٨- تفسير التوحيد وأنه عبادة الله وحده وترك الشرك.
٩- استحباب بشارة المسلم بما يسره.
١٠- جواز كتمان العلم للمصلحة.
١١- تأدب المتعلم مع معلمه.
1 / 22
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
وقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (١) [الأنعام: ٨٢] .
ــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: لما بين في الباب الأول وجوبَ التوحيد ومعناه، بين في هذا الباب فضل التوحيد وآثاره الحميدة، ونتائجه الجميلة التي منها تكفير الذنوب، لأجل الحث عليه والترغيب فيه.
بابٌ: هو لغةً: المدخل، واصطلاحًا: اسمٌ لجملة من العلم تحته فصول ومسائل غالبًا.
يكفر: التكفير في اللغة: الستر والتغطية. وشرعًا: محو الذنب حتى يصير بمنزلة المعدوم.
من الذنوب: (مِن) بيانية وليست للتبعيض، والذنوب: جمعُ
_________
(١) عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ قلنا: يا رسول الله: أينا لم يظلم نفسه؟ قال: "ليس كما تقولون: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ بشرك، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ .
أخرجه البخاري برقم (٣٣٦٠) ومسلم برقم (١٢٤) .
1 / 23
ذنب وهو ما تقبح عاقبته.
آمنوا: صدقوا بقلوبهم ونطقوا بألسنتهم، وعملوا بجوارحهم، ورأسُ ذلك التوحيد.
يلبسوا إيمانهم: يخلِطوا توحيدهم.
بظلم: بشرك –والظلم وضع الشيء في غير موضعه- سُمّي الشرك ظلمًا لأنه وضعٌ للعبادة في غير موضعها وصرفٌ لها لغير مستحقها.
الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف.
مهتدون: أي موفقون للسير على الصراط المستقيم ثابتون عليه.
المعنى الإجمالي للآية: يخبر سبحانه أن الذين أخلصوا العبادة لله وحده لم يخلطوا توحيدهم بشرك هم الآمنون من المخاوف والمكاره يوم القيامة، المهتدون للسير على الصراط المستقيم في الدنيا.
مناسبة الآية للباب: أنها دلت على فضل التوحيد وتكفيره للذنوب.
ما يستفاد من الآية:
١- فضل التوحيد وثمرته في الدنيا والآخرة.
٢- أن الشرك ظلمٌ مبطلٌ للإيمان بالله إن كان أكبَر، أو منقِص له إن كان أصغر.
٣- أن الشرك لا يُغفر.
٤- أن الشرك يسبب الخوف في الدنيا والآخرة.
1 / 24
عن عبادة بن الصامت ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". أخرجاه (١) .
ــ
عبادة بن الصامت: هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ أحد النقباء بدريٌّ مشهور توفي سنة ٣٤هـ وله ٧٢ سنة.
شهد أن لا إله إلا الله: تكلّم بهذه الكلمة عارفًا لمعناها عاملًا بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا.
لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله.
وحده: حالٌ مؤكّد للإثبات.
لا شريك له: تأكيد للنفي.
وأن محمدًا: أي وشهد أن محمدًا.
عبده: مملوكه وعابده.
ورسوله: مرسله بشريعته.
وأن عيسى: أي وشهد أن عيسى ابن مريم.
عبد الله ورسوله: خلافًا لما يعتقده النصارى أنه الله أو ابن الله أو
_________
(١) أخرجه البخاري برقم (٣٤٣٥) ومسلم برقم (٢٨) والترمذي برقم (٢٦٤٠) وأحمد في مسنده (٥/٣١٤) .
1 / 25