ﷺ: "لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ ولَا جُنُبٍ". ولنا قَوْلُ اللَّه تَعالَى: ﴿إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾، والاسْتِثْناءُ مِن المَنْهِىِّ عنه إباحةٌ، وعن عائشة، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال لها: "نَاوِلِينى الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسجِدِ". قالت: إنِّي حائضٌ، قال: "إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ". رواه مُسْلم (١٠). وعن جابر قال: كُنَّا نَمُرُّ في الْمَسْجِدِ ونَحْنُ جُنُبٌ. رواه ابنُ المُنْذِر. وعن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، قال: كان أصحابُ رَسُولِ اللَّه ﷺ يَمْشُونَ في المسجدِ وهم جُنُبٌ. رواه ابنُ المُنْذِر أيضًا. وهذا إشارةٌ إلى جَمِيعِهم، فيكونُ إجْماعًا.

فصل: فأمَّا المُسْتَحاضةُ، ومَن به سَلَسُ البَوْلِ، فلهم اللُّبْثُ في المَسْجدِ والعُبورُ إذا أَمِنُوا تَلْوِيثَ المَسْجدِ؛ لما رُوِىَ عن عائشة، أنَّ امرأةً مِن أزْواجِ رَسُولِ اللَّه ﷺ اعْتَكَفتْ معه وهى مُسْتَحاضةٌ، فكانتْ ترَى الحُمْرةَ والصُّفْرةَ، وربَّما وَضَعتِ الطَّسْتَ تَحْتَها وهى تُصَلِّى. رواه البُخارِىُّ (١١). ولأنه حَدَثٌ لا يَمْنَعُ الصلاةَ فلم يَمْنَع اللُّبْثَ، كخرُوجِ الدَّمِ اليَسِيرِ مِن أَنْفِه. فإنْ خاف تَلْوِيثَ المسجدِ فليس له العُبورُ؛ فإن المسجدَ يُصانُ عن هذا، كما يُصانُ عن البَوْلِ فيه. ولو خَشِيَتِ الحائِضُ تَلْوِيثَ المسجدِ بالعُبورِ فيه، لم يكن لها ذلك.

فصل: وإن خاف الجُنُبُ علَى نفسِه أو مالِه، أو لم يُمْكِنْه الخروجُ مِن المسجدِ، أو لم يجدْ مكانًا غيرَه، أو لم يُمْكِنْه الغُسْلُ ولا الوُضُوء، تَيَمَّمَ، ثم أقام في المسجدِ، ورُوِىَ عن عَلِيٍّ، وابنِ عَبَّاس، وسَعِيد بن جُبَيْر، ومُجاهِد، والحسن بن مُسْلِم بن يَنَّاق (١٢)، في تَأْوِيلِ قولِه تعالى: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾. يَعْنِى

(١٠) تقدم تخريجه، في صفحة ٦٩، ٧٠ وتقدم شرح "الخمرة" هناك.

(١١) في: باب الاعتكاف للمستحاضة، من كتاب الحيض. صحيح البخاري ١/ ٨٥.

كما أخرجه أبو داود، في: باب في المستحاضة تعتكف، من كتاب الصوم. سنن أبي داود ١/ ٥٧٦. وابن ماجه، في: باب المستحاضة تعتكف، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٦٦. والدارمى، في: باب الكدرة إذا كانت بعد الحيض، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي ١/ ٢١٧. والإمام أحمد، في: المسند ٦/ ١٣١.

(١٢) الحسن بن مسلم بن يناق المكي، روى عن صفية بنت شيبة، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، =