كَانَ مِنْ قَضَاءِ الله أَنَّ الحَاكِم أَبَا سَعِيد (١) لمَّا تُوُفِّي أَظْهَرَ بن خُزَيْمَة الشَّمَاتَةَ بِوَفَاتِهِ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَهْلًا مِنْهُم، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَعْمَلَ ضِيَافَةً، وَكَانَتْ لابن خُزَيْمَة بَسَاتِيْن نُزْهَة، فَأُكْرِهْتُ أَنَا مِنْ بَيْنَ الجَمَاعَةِ عَلَى الخُرُوْجِ فِي الجُمْلَةِ إِلَيْهَا.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَد الحُسَيْن بن عِلي أَنَّ الضِّيَافَةَ كَانَتْ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة تِسْعٍ، وَكَانَتْ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا، عَمِلَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فَأَحْضَرَ جُمْلَةً مِنَ الأَغْنَامِ، وَالحِمْلان وَأعْدَال السُّكّرِ، وَالفُرُشِ، والآلاتِ، وَالطَّبَّاخِيْنَ، ثُمَّ تَقَّدَمَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ المُحَدِّثِيْن مِنَ الشُّبَّانِ وَالشُّيُوْخِ، فَاجْتَمَعُوَا بِجَنْزَرُوْذ، وَرَكِبُوَا مِنْهَا، وَتَقَدَّمَهُم أَبُو بَكْرٍ بْنُ خُزَيْمَةَ يَخْرقُ الأَسْوَاقَ سُوْقًا سُوْقَا، يَسْأَلُهُم أَنْ يُجِيْبُوهُ، وَيَقُوْلُ: سَأَلْتُ مَنْ يَرْجِعُ إِلَى الفُتُّوَةِ وَالمَحَبَّةِ لِي أَنْ يَلْزَمَ جَمَاعَتِنَا اليَوَمَ، فَكَانُوَا يَجِيْئُوَن فَوْجًا فَوْجَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ كَبِير أَحَدٍ فِي البَلَدِ.
وَالطَّبَّاخُوَنَ يَطْبَخُوْنَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الخَبَّازينَ يَخْبِزُوَن، حَتَّى حُمِلَ جَمِيع مَا وَجَدُوَا أَيْضًا فِي البَلَدِ مِنَ الخُبْزِ، وَالشِّوَاءِ عَلَى البِغَالِ وَالجِمَالِ وَالحَمِيْر، وَالإِمَامُ قَائِمٌ يَجرِي أَمْرَ الضِّيَافَة عَلَى أَحْسَنِ مَا يَكُوْنُ حَتَّى شَهِدَ مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ لَم يَشْهَدْ مِثْلَهَا" (٢).
قَالَ الحَاكِم: "وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُوْدًا بِكَثْرَةِ الخَلْقِ، لا يَتَهَيَّأُ مِثْلَهُ إِلا لِسُطْانٍ كَبِير" (٣).