ولهذا قال الله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٤ - ٣٥].
ويعين العبد على هذا الصبر عدة أشياء:
أحدها: أن يشهد أن الله سبحانه و تعالى/ خالق أفعال العباد وحركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة إلا بإذنه ومشيئته، فالعباد آلة فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك تستريح من الهم والغم.
مما يعين على الصبر على أذى الخلق.
[٤ق/أ]
الأول: أن يشهد العبد أن الله خالق أفعال العباد.
الثاني: أن الله سلط الخلق عليه بسبب الذنوب.
الثاني: أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠]، فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتغل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه [بسببها] عن ذمهم ولومهم والوقيعة فيهم، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه، ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حقيقة، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة.
قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه كلمة من جواهر الكلام: ((لا يرجون عبدٌ إلا ربه، ولا يخافن عبدٌ إلا ذنبه))(١).
(١) هذا الأثر ورد بألفاظ متقاربة، منها ما أخرجه معمر في جامعه بلفظ: (خمس احفظوهن، لو ركبتم الإبل لأنضيتموها قبل أن تدركوهن: لا يخاف العبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحيي جاهل أن يسأل، ولا يستحيي عالم إن لم يعلم أن يقول: الله أعلم، والصبر من الإيمان بموضع الرأس من الجسد، إذا قطع الرأس ييبس ما في الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. =